رسالة إلى جنودنا المرابطين على حدودنا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ).( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ).( يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ). أما بعد:
فإنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: دعونا في هذا المقام اليوم وفي هذه الدقائق, ومن على هذا المنبر, نلتفت سويا إلى فئة من فئات مجتمعنا وإن كانوا دائما هم في قلوبنا ولم نغفل عنهم ساعة من نهار, عل منهم من هو من بيننا, أو من أقرباء بعضهم فيصلهم صوتنا بطريقة أو بأخرى, هذه الفئة هي أغلى علينا ممن دونها من الفئات, إن لم تكن هي أغلى الفئات علينا اليوم كلها, ولو علمتم جيدا ما يقومن فيه لقلتم ليس في هذا القول مبالغة بل ربما يكون دون حقهم علينا – أنهم جنودنا المرابطين على حدودنا – هم منا ونحن منهم. خلال هذه الالتفاتة, نبعث اليهم من هذا المقام رسالة, مما تجود به القريحة, علها تحقق اهدافا سامية, ومطالب عالية, تعلم جاهلا , وتذكر غافلا, وتزع من كان متكاسلا , فإن اي انسان في هذه الحياة يسير في طريق ما يحتم عليه المقام ان يعلم جيدا ما يسير فيه, فبعد المعرفة والعلم التام , إما الإقدام او الإحجام . ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها )
جنودنا المرابطين على حدودنا:
أتعلمون أي مقام قمتم ؟ وأي عبادة انتم الآن فيها ؟ وأي بلد تحرسون ؟ وفي وجه من تقفون ؟ وما نتيجة ما تفعلون ؟ إنها أسئلة لا أخال أحدا منكم ليس لديه الإجابة الكافية عليها.
بل لا ألومكم إن استهجنتم السائل, وتبسمتم حين سماعها تبسم الناقد وقلتم: سل غيرنا هذه الأسئلة ممن يفعلون ذلك تحت راية عمية, يقاتلون لا هداف دنيئة, لعصبية, لحزبية, لجاهلية لقومية, لحماية عروش طغاة خبثاء, للحصول على مال أو جاه أو سمعة, او يقاتل الواحد منهم ليقال, بل لايعلم الكثير منهم لماذا يقاتل, ولماذا يقتل , ولماذا يقتل, وهذا هو الحاصل .
أما نحن فقد عرفنا ما أتينا, وفهمنا ما قصدنا, وسعدنا بما به أكرمنا ( وما عند الله خير وأبقى ) ولو قلتم لنا أيضا التفتوا إلى أنفسكم ودعونا فيما نحن فيه لكنتم محقين. ولكننا نتوسل إليكم بقبول هذا التطفل في هذه الكلمات, مدركين جيدا أن الشيم التي تتمتعون فيها تأبى إلا قبول الهدايا وتكافئ عليها, ولا أغلى علينا من أن تهدوا لنا دعاء حسنا جميلا, فقد تحقق فيكم من أسباب استجابة الدعاء مالم يتحقق في غيركم, فانتم اهل توحيد خالص, وعلى الكتاب والسنة فيما تأتون وما تذرون, وانتم مسافرون, وشعث غبر, وفي موطن التقاء الصفين, وجهادكم أعلى مراتب الجهاد إذ انه جهاد دفاعي , فكيف اذا دعوتم وانتم ساجدون في الصلاة , وكيف اذا كان ذلك في جوف الليل الآخر حين النزول الإلهي الذي يقول فيه المولى جل وعلا: هل من سائل فأعطيه ؟ هل من داع فاستجيب له ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ الله اكبر إنها الفضائل والكرامات , والعطايا والهبات ( والله يختص برحمته من يشاء)
بينكم وبين عدوكم بضعة أمتار ولكن ما بين أهدافكم وأهدافهم كما بين الارض والسماء, أجبتم داعي الله حي على الجهاد, وإن كنتم موظفون وتتقاضون على ذلك رواتب إلا انكم كأم موسى, ترضع ابنها وتأخذ عليه اجرا, وإني أكاد اجزم لو قيل لكم سنقطع عنكم الرواتب الشهرية إلا قوت يومكم فمن شاء منكم فليبقى ومن شاء فليرجع , أجزم انه لن يرجع منكم احد فحظوظ الدنيا ليست هي هدفكم الأول, ولعلمكم انه متى ما رجعتم أنكم قد ارتكبتم كبيرة من كبائر الذنوب وهي الفرار يوم الزحف, وان المخلصين المتعطشين للقتال الذين يصدقون فيما يعاهدون الله عليه انهم في المجتمع كثير, وأنهم سيتسابقون على سد مكانكم بأسرع وقت, غير ملتفتين إلى أي حظ من حظوظ الدنيا, فالله تعالى يقول في محكم تنزيله ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) .
جنودنا المرابطين على حدودنا:
النصر صبر ساعة, والشدة والكرب علامة قرب الفرج, ومن نصر الله نصره الله ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) ( والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ) ( عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون ) وشرط الاستخلاف معروف ( الذين ان مكانهم في الارض اقاموا الصلاة وآتو الزكاة وامروا بالمعروف ونهو عن المنكر ولله عاقبة الامور )
ولتعلموا أن الخلاف والفرقة, وعدم السمع الطاعة لمن ولاه الله الامر هو سبب رئيس في الهزيمة, لقد هزم المسلمون يوم احد بسبب ذنب واحد ارتكبوه, حتى وصل المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودنوا منه فشجوا رأسه وكسروا رباعيته وقتل من الصحابة يومئذ العشرات, وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر مجموعة من الصحابة يسمون الرماة بقيادة عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري بالبقاء على الجبل إلى آخر المعركة ولكنهم لما رءوا المشركين قد انهزموا وغلبوا وولوا الأدبار استعجلوا فنزلوا من الجبل لجمع الغنائم فنهاهم قائدهم وحذرهم من مغبة مخالفة أمر الرسول ولكنهم نزلوا فأتاهم المشركون من الخلف وحاصروهم وحصل في تلك المعركة ماحصل .
واحذروا الغرور والاعجاب بالنفس, والاغترار بكثرة العدد والعِدد فقد هزم المسلمون يوم حنين في بداية المعركة بسبب قولهم لن نغلب اليوم من قلة , ثم نصر الله بعد ذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ودارة الدائرة على المشركين فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين قال تعالى ( ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا وضاقت عليكم الارض بما حبت ثم وليتم مدبرين ).
واحذروا المتربصين بالبلاد وحكومتها وأهلها المتسمين باسم الدين والدعوة والإصلاح , فلا تغتروا منهم بزيارتهم لكم ولا بحسن مظهرهم, ولا بسلاسة منطقهم, وأساليب دعوتهم, ولا تغتروا بخدمة الإعلام وتلميعه لهم, وإظهارهم على انهم هم العلماء والمشائخ والمصلحون, فإنهم الأعداء فاحذروهم المفسدين, فإن العبرة بالمنهج الذي يسير عليه الإنسان, إن كان على الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة فحيّا هلا , وإن كان الانتماء والولاء لحزب أو جماعة أو طائفة أو تنظيمات معينة أصولها خارج الحدود, فلا قبول لهم ولا كرامة.
جنودنا المرابطين على حدودنا :
يلزم كل مسلم تلبس بعبادة من العبادات ان يعلم تلك العبادة بادلتها وبشروطها وأركانها وواجباتها وسننها ومستحباتها ومندوباتها, وانتم الآن في عبادة الجهاد في سبيل الله التي هي ذروة سنام الإسلام, فتفقهوا فيها واعلموها جيدا فقد قال سبحانه: ( فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذبك وللمؤمنين والمؤمنات .....) فالعلم قبل القول والعمل مطلب شرعي , إذ لا عمل إلا بعلم , ولا قبول لعمل إلا بإخلاص ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا )، ولولا خشية الإطالة لذكرنا كل ما ورد في هذا الباب من نصوص, ولكنها اليوم بحمد الله سهلة المنال يمكن لطالبها أن يحصل عليها بأحد الوسائل المقروءة أو المسموعة، فيبقى الجد والاجتهاد, والأخذ بالأسباب ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) .
نفعنا الله وإياكم بأعمالنا الصالحة , وسدد على الخير خطاكم المباركة, وأجزل لكم الأجر والمثوبة. أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى , وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى , واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:-
أيها الإخوة المسلمون: دعا الشارح الحكيم إلى تهيئة الغزات والمجاهدين في سبيل الله , التهيئة التي معها لايفكرون فيما خلفهم من مال, أو عيال, أو أي التزامات من أمور الدنيا, بل تكون همتهم مجموعة فقط لما أمامهم, وما ينتظرونه من خيري الدنيا والآخرة, فإن غلبوا وانتصروا : فالملك والغنائم والعزة والسؤدد, وإن استشهدوا فالجنة وكفى بها ظفرا ومطلب , ذلك أن المجاهد في سبيل الله الذي عليه بعض المطالب من مال أو نحوه, أمله في الحياة والعودة إلى أهله وماله وموطنه ضعيف جدا, فإذا فكر فيما خلفه من مسؤوليات والتزامات, حتما فإن ذلك يحد من حماسه ورغبته في القتال, ولم يكن كحال المجاهد الذي خليت ذمته من كل متعلق, ولذلك جعل الله للمجاهد في سبيل الله حقا في الزكاة كما قال تعالى ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ...... إلى ان قال: وفي سبيل الله ....) وقال صلى الله عليه وسلم مرغبا في تحمل مسؤولية المجاهد من بعده, والمشاركة له في أجره " من جهز غازيا فقد غزى , ومن خلف غازيا في سبيل بخير فقد غزا ....." رواه البخاري .
وإدراك القادة والسادة لهذا الأمر منذ القدم وعلى مر الدهور والعصور, أعني العمل على تخلية ذهن المجاهد في سبيل الله من كل الشواغل, فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه : لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها , ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها , ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها , ..... الحديث.
وعلى هذا – أيها الإخوة - ندعو أهل الثراء والأموال والتجار في البلد إلى صرف زكاتهم هذه الأيام إلى إخواننا المجاهدين المرابطين على حدودنا, ونهيب بالمسئولين أصحاب القرارات والتأثير والالزامات بالإلحاح عليهم بدفعها, فإن إخواننا المجاهدين في سبيل الله يستحقونها شرعا لو لم يكن لهم بها حاجة, فكيف وفيهم من عليه التزامات مالية من ديون ونحوها, وفيهم من هو فقير او مسكين قد اجتمع في بعضهم أكثر من صفة, وإعلامهم أي التجار بأنه لا يجوز إخراج الزكاة خارج البلد وفي البلد من هم من مستحقيها .
ونحن نعلم - ايها الاخوة - ان الدولة وفقها بقيادة خادم الحرمين لم تألو جهدا في نفع المجاهدين في سبيل الله المقاتلين على حدودنا حتى بعد استشهادهم, تقضي ديونهم , وتتولى أبنائهم وأسرهم من بعدهم, وتهيئ لهم ظروف الحياة والمعيشة, وتخلد ذكراهم, ولكن كل له مسؤولية, وعليه دور مناط فيه, فالواجب على الجميع تظافر الجهود والعمل على تكاملها حتى نكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله كأنهم بنيان مرصوص ......).
ألا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد ابن عبد الله القائل ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم اعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم ردهم إلى دينك ردا جميلا واستعملهم في طاعتك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك ومدهم بعونك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك وحماة لشريعتك، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وجماعتنا وأبنائنا وبناتنا بسوء فأشغله بنفسه ورُدّ كيده في نحره وافضح أمره واجعل عاقبته إلى وبال يا قوي يا عزيز،، اللهم احفظ رجال أمننا وقوي عزائمهم وأعذهم من شر الأشرار وكيد الفجار يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم يا حي يا قيوم انصر جُندنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم من مات منهم فتقبله في الشهداء يا رب العالمين ، ومن أصيب فألبسه ثياب الصحة والعافية يا لطيف يا رحيم يا كريم. اللهم احفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم مكن لهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز. اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
|