من عادى لي وليا
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ . ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾. أما بعد:- فإنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) رواه البخاري .
عباد الله هذا حديث عظيم ومبارك، قال عنه الشوكاني رحمه الله: "هذا الحديث اشتمل على فوائد كثيرة النفع جليلة القدر لمن فهمها حق فهمها وتدبرها كما ينبغي". وقال ابن رجب رحمه الله: " قيل أنه أشرف حديث رُوي في ذكر الأولياء " .
قوله: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ) : يعني فقد أعلمته بأني محارب له حيث كان محارباً لي بمعاداة أوليائي .
والولي هو من وصفه الله بالقرآن في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً " .
قال العلماء: إن أبغض الولي لما هو عليه من الدين فهذا ظاهرٌ دخوله في الحديث , وأما إن عاداه لأجل الدنيا وحصل بينه وبينه خصومات لأجل الدنيا فهذا فيه تفصيل، إن صار مع الخصومات بغضاء وكره فإنه يُخشى عليه أن يدخل في هذا الحديث, وأما إن كانت الخصومات بدون بغضاء حتى لو وصلت إلى القاضي فانه لا يدخل في هذا الحديث .
قوله: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ) : يعني أن أحب القربات إلى الله أن يتقرب العبد بالفرائض، فهذه أحب القربات إلى الله وهذا خلاف ما يأتي لبعض النفوس؛ في أنهم يحصل عندهم خشوع وتذلل في النوافل ما لا يحصل في الفرائض والله كما في هذا الحديث هنا إنما يُحب أن يتقرب إليه بالفرائض كالصلوات الخمس والزكاة والصيام والحج وغيرها مما افترضه الله على عباده .
قوله: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ) يعني لا يزال يتقرب إلى الله بالنوافل بجميع أنواعها بحيث أنها أصبحت ملازمة له وديدنه، وثمرة المحافظة على النوافل هي ما قاله الله تعالى: (حَتَّى أُحِبَّهُ) : وهذا يدل على أن محبة الله تجلب بالسعي في طاعته بأداء النوافل والسعي فيها بعد أداء الفرائض والتقرب إلى الله بها .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أفضل الأعمال أداء ما افترض الله والورع عما حرم الله وصدق النية فيما عند الله "
قوله : (فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا) فسره علماء الحديث وعلماء السنة بقولهم: يعني أوفقه وأسدده في سمعه وفي بصره وفي ما يعمل بيده وفيما يمشي إليه برجله، فلا يسمع إلا ما يحب الله أن يُسمع، ولا يبصر إلا ما يحب الله أن يُبصر، ولا يعمل بيده إلا ما يرضي، ولا يمشي برجله إلا لما يرضي الله عز وجل ، فيكون مسدداً في أقواله وفي أفعاله.
قوله : (وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ): أي طلب مني الاستعاذة فأكون ملجاءً له (لَأُعِيذَنَّهُ) فذكر السؤال الذي به حصول المطلوب وأخبر أنه يعطي هذا المُتقرِّب إليه بالنوافل ما سأل ويعيذه مما استعاذ، مما يدل على أن هذا المحبوب المقرب له عند الله منزلة خاصة، تقتضي أنه إذا سأل الله أعطاه شيئا وإذا استعاذ به من شيء أعاذه منه وإن دعاه أجابه فيصير مجاب الدعوة.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين ، إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد:
عباد الله: وقد كان كثير من السلف الصالح معروف بإجابة الدعوة , ففي الصحيح أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ ، وَطَلَبُوا الْعَفْوَ ، فَأَبَوْا ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ لا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الْأَرْشَ ، ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ).
وكان سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه مجاب الدعوة فكذب عليه رجل , فقال: "اللهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِبًا؛ فَأَعْمِ بَصَرَهُ، وَعَجِّلْ فَقْرَهُ، وَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ"، فَقَالَ -عَبْدُ الْمَلِكِ رَاوي الْحَدِيث- : فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ يَتَعَرَّضُ النِّسَاءَ فِي السِّكَكِ ، فَإِذَا سُئِلَ كَيْفَ أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ : كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ".
فاللَّهمَّ وفِّقنا لِهُداك، وأعِنَّا على طاعتك، ولا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك. فاللهم رحمتك نرجو، فلا تكلننا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله، لا إله إلا أنت.. اللهم وأصلح قلوبَنا ونياتِنا وأعمالَنا.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا ونسائنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم انصر جنودنا، اللهم انصر جنودنا، اللهم اربط على قلوبهم وأنزل السكينة عليهم وثبت أقدامهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشبعان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |