اللهم اكفني بحلالك عن حرامك
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
اتقوا الله تعالى وراقبوه حق مراقبته، واعملوا بطاعته واحذروا معصيته، وأكثروا من ذكره وتعظيمه، واعلموا أن من الظواهر الاجتماعية والمشاكل العصيبة والتي أرّقت كثيراً من الرجال بل والأدهى من ذلك حتى بعض النساء فأصبح الفقير قليل ذات اليد ينافس الغني المقتدر إنها مشكلة أو ظاهرة (الديون) نعم الديون وكثرتها والتنافس فيها مشكلة هذا العصر .
عباد الله روى الترمذي في سننه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " أَنَّ مُكَاتَباً جَاءَهُ فَقَالَ: إنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي، فَأَعِنِّي قَالَ: ألاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ ثَبِيرٍ دَيْناً أَدَّاهُ اللهُ عَنْكَ قَالَ: قُلْ اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ" –حسنه الالباني.
فهذا دعاءٌ عظيم يقولُه مَن عليه دينٌ وهو عاجزٌ عن أدائه، فإذا قالَه واعتنى به أدَّاه اللهُ عنه مهما كان حجمُ الدَّين، ولو كان مثلَ الجبل، كما مَرَّ في الحديث؛ لأنَّ التيسيرَ بيد الله، وخزائنه سبحانه ملأَى لا يَغيظها نفقة، فمَن التَجَأ إليه كفاه، ومَن طلب العونَ منه أعانه وهداه.
وهذا المكاتَب جاء إلى علي رضي الله عنه يشكو عجزَه وعدم قُدرته على أداء ما تَحمَّلَه من مال لسيِّده ليعتقه، فأرشدَه رضي الله عنه إلى هذا الدعاء العظيم الذي سمعَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيَّن له عظمَ فائدته وكبر عائدته على قائله، وأنَّ الله يقضي عنه دينَه مهما كثُر، قال: "ألاَ أعلِّمُك كلمات عَلَّمَنِيهنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل ثبير دَيْناً أدَّاه الله عنك"، وهذا فيه تشويقٌ عظيمٌ وترغيبٌ للسَّامع، وحثٌّ على المواظبة على هذا الدعاء المبارك؛ ليتخَلَّص العبد من الدَّين الذي تَحمَّله، ومن هَمِّه الذي كدَّر بالَه وأشغله.
وقوله: "اللَّهمَّ اكفني بحلالك عن حرامك" فهو يسأل اللهَ أن يجعلَه مكتفياً بالحلال مستغنياً به عن الحرام.
وقوله: "وأغنِنِي بفضلك عمَّن سواك" أي: واجعل فضلَك وهو ما تَمُنُّ به عليَّ من نعمة وخير ورزق مغنياً لي عمَّن سواك، فلا أفتقر إلى غيرك، ولا ألتجئُ إلى أحد سواك.
وهذا فيه أنَّ العبدَ ينبغي أن يكون مفوِّضاً أمرَه إلى الله، معتمداً عليه وحده، مستعيناً به سبحانه، متوكِّلاً في جميع أموره عليه، وكفى به سبحانه وكيلاً.
ولا بدَّ مع الدعاء من بذل السَّبب، والسَّعي الجادِّ لسداد الدَّين، والعزمِ الصادق على الوفاء به، والمبادرةِ إلى ذلك في أقرب وقتٍ يَتَهَيَّأُ السَّدادُ، والحذر الشَّديد من المُماطلة والتَّسويف، فإنَّ مَن كان كذلك فحَرِيٌّ به ألاَّ يُعان، أمَّا مَن حَمَلَ في قلبه هَمَّ الدَّين وكانت له نيَّةٌ صادقةٌ في أدائِه أعانه اللهُ، وأدَّى عنه دَينَه.
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أخذ أموالَ النَّاس يريد أداءها أدَّى اللهُ عنه، ومن أخذها يريد إتلافَها أتلفه الله".
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِن عبدٍ كانت له نيَّةٌ في أداء دَيْنِه إلاَّ كان له مِن الله عَوْن"وصححه الألباني، وروى النسائي عن ميمونة رضي الله عنها، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "ما من أحَدٍ يُدانُ دَيْناً فعلمَ اللهُ منه أنَّه يريدُ قضاءَه إلاَّ أدَّاه اللهُ عنه في الدنيا"وصححه الألباني.
فإن صَدَقَ العبدُ في عَزمِه وصَلحُت نيَّتُه تيَسَّرت أمورُه، وأتاه الله باليُسر والفَرَج من حيث لا يَحتَسب، ومَن صَحَّ توكُّلُه على الله تكَفَّلَ الله بعونه وسدَّدَ أمرَه وقَضَى دَينَه.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين ، إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
عباد الله: ولا ينبغي للمسلم أن يستهينَ بأمر الدَّين أو يُقلِّلَ من شأنه أو يتهاونَ في سداده، فقد ورد في السُّنَّة أحاديثُ عديدة تفيد خطورة ذلك، وتدلُّ على أنَّ نفسَ المؤمن معلقةٌ بالدَّين، وأنَّ الميتَ محبوسٌ بدَيْنِه حتى يُقْضَى عنه، روى الإمام أحمد عن سَعد بن الأطول رضي الله عنه قال: مات أخي وترك ثلاثَ مائة دينار، وترك فيه ولداً صغاراً، فأردتُ أن أنفقَ عليه، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أخاك محبوسٌ بدَيْنه فاذهب فاقضِ عنه" قال: فذهبتُ فقضيتُ عنه ثم جئتُ فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضيتُ عنه، ولم يبقَ إلاَّ امرأة تَدَّعِي دينارين، وليست لها بيِّنة، قال: "أَعطِهَا، فإنَّها صادقة"، وصححه الألباني.
وروى أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نفسُ المؤمن معلَّقَةٌ ما كان عليه دَين"وصححه الألباني.
ولهذا فإنَّ الواجبَ على المسلم إذا كان عليه دَينٌ أن يُبادرَ إلى سداده قبل أن يبْغَتَه الموتُ، فتُحبس نفسُه بدَيْنِه، ويكون مرتهناً به، وإذا لَم يكن عليه دَينٌ فليحمَد الله على العافية، وليتحاشَ الاستدانةَ ما لَم يكن لها حاجة داعيةً أو ضرورة مُلحَّةً؛ ليسلم مِن هَمِّ الدَّيْن، وليرح نفسه من عواقبه، وليكن في أَمَنَة من مغبَّته.
ففي المسند من حديث عُقبة بن عامر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُخيفوا أنفسَكم بعد أمْنِهَا" قالوا: وما ذلك يا رسول الله قال: "الدَّين"حسنه الألباني، أي: لا تسارعوا إلى الدَّيْن فتُخيفوا أنفسَكم من توابعه وعواقِبه، ونسأل الله لنا ولكم العافيةَ والسلامةَ والهدايةَ إلى كل خير.
= اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر، اللهم إنا أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك من الإحسان بشر ما عندنا من الإساءة والعصيان، وادفع عنا وعن المسلمين كل شر ومكروه بمنك وكرمك وتوفيقك يا أرحم الراحمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة والملحدين والروافض المجرمين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا ونسائنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم انصر جنودنا، اللهم انصر جنودنا، اللهم اربط على قلوبهم وأنزل السكينة عليهم وثبت أقدامهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|