خطر الإشاعة
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله جل وعلا واحذروا أسباب سخطه وعقابه فإن أجسادكم على النار لا تقوى .
عباد الله: ثمة داء عضال انتشر في أوساط مجتمعنا مع توافر وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أشكاله وصوره. ألا وهو "الشائعات" نعم إنها الشائعات وما أدراك ما الشائعات!!! أفسدت الشعوب وهدمت البيوت وأراقت الدماء .
أيها الناس: هذا القرآن المبارك فيه الهدى والنور والشفاء من أي داء ووباء، ومن آياته آية مباركة في سورة النساء تأملوها وحركوا بها قلوبكم وأسماعكم، قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} .
قال العلامة السعدي رحمه الله: " هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لافيحجم عنه؟
ثم قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي: في توفيقكم وتأديبكم، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون، {لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر. فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم" أهـ .
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يُبَادِرُ إِلَى الْأُمُورِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا، فَيُخْبِرُ بِهَا وَيُفْشِيهَا وَيَنْشُرُهَا، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهَا صِحَّةٌ. وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كفى بالمرء كذبا أَنْ يُحدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ" وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ – والحديث صحيح - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بِئْسَ مَطِيَّة الرَّجُلِ زَعَمُوا ".
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ أَيْ: الَّذِي يُكْثِرُ مِنَ الْحَدِيثِ عَمَّا يَقُولُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ تَثبُّت، وَلَا تَدبُّر، وَلَا تبَيُّن.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: الشائعات جريمة ضد أمن المجتمع، وصاحبها مجرم في حق دينه ومجتمعه وأمته، مثير للاضطراب والفوضى في الأمة، وقد يكون شراً من مروجي المخدرات، فكلاهما يستهدف المسلم، لكن الاستهداف المعنوي أخطر وأعتى, وإنك لتأسف أشد الأسف ممن يتلقى الشائعات المغرضة، وكأنها حقائق مُسلَّمة، يجلس أحدهم الساعات الطوال أمام أجهزة الشبكات المعلوماتية بوجهها الكالح وما يعرف بجهاز الإنترنت، عبر مواقعه المشبوهة، فيلطخ سمعه وبصره من الشائعات الباطلة، وتلفيق التهم الصفيقة، مما تجفل القلوب من مجرد سماعه، وتتحرج النفوس المؤمنة من مطالعته فضلاً عن البوح به فكم تجنّوا على أبرياء، وأشعلوا نار الفتنة بين الأصفياء، وكم نالوا من علماء وعظماء، وكم هدمت الشائعة من وشائج، وتسببت في جرائم، وفككت من أواصر وعلاقات، وحطمت من أمجاد وحضارات، وكم دمرت من أسر وبيوتات، وأهلكت من حواضر ومجتمعات، بل لرب شائعة أثارت فتناً وبلايا، وحروباً ورزايا، وأذكت نار حروب عالمية، وأججت أوار معارك دولية، وإن الحرب أولها كلام، ورب كلمة سوء ماتت في مهدها، ورب مقالة شر أشعلت فتناً، لأن حاقداً ضخمها ونفخ فيها.ولخطورة الشائعة وبيان أنها من الكذب الصريح رأى الرسول صلى الله عليه وسلم منظراً عجباً رأى رجلا يشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، فلما سئل عنه ؟ قال: الرجل يغدو إلى بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق . رواه البخاري في صحيحه .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه إله الأولين والآخرين، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد ؛
أيها الإخوة الكرام: إننا نعيش في زمن كثر فيه ترويج الشائعة، ولكي لا تؤثر هذه الشائعات على المسلم بأي شكل من الأشكال، فلا بد أن يكون هناك منهج واضح محدد لكل مسلم يتعامل فيها مع الشائعات، ألخصها في أربعة نقاط مستنبطة من حادثة الإفك، التي رسمت منهجًا للأمة في طريقة تعاملها مع أية إشاعة إلى قيام الساعة.
الأمر الأول: أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، قال الله تعالى: {لَّوْلا? إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُواْ هَـاذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ}.
الأمر الثاني: أن يطلب المسلم الدليل البرهاني على أية شائعة يسمعها، قال الله تعالى: {لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـائِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} .
الأمر الثالث: أن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشره؛ فإن المسلمين لو لم يتكلموا بأية شائعة لماتت في مهدها، قال الله تعالى: {لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُواْ هَـاذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}.
الأمر الرابع: أن يرد الأمر إلى أولي الأمر، ولا يشيعه بين الناس أبدًا، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة، والتي لها أثرها الواقعي، قال الله تعالى: {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}.
فيا عباد الله اتقوا الله واحذروا من نقل الإشاعات ونشرها، واعملوا لآخرتكم بما ينفعكم، واحذروا سخطه وموجبات عقابه، وأحسنوا الظنّ بربكم : تجدوا ما يسرُّكم ، وأكثروا الدعاء والإستغفار لأنفسكم ولإخوانكم المسلمين .
= اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد : أن تحفظ بلادنا من كل شر ومكروه، اللهم احفظ بلادنا من كيد الفجار وشر الأشرار ، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وجماعتنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا يا أرحم الراحمين.
= اللهم وفق ولاة أمرنا لكل خير واجعلهم أنصاراًً لدينك، وحماة لشريعتك، واجعل مساعيهم وأعمالهم في نصرة الإسلام والمسلمين.
= اللهم انصر جنودنا وعسكرنا، اللهم احقن دمائهم وصن أعراضهم ، وتولّ أمرهم وسدد رميهم وعجّل بنصرهم وفرّج كربهم وتقبل موتاهم واشف مرضاهم، وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الظالمين.
= اللهم عليك بالحوثيين الروافض المجرمين الذين قتلوا أهل السنة وسعوا في الأرض بالتخريب وأنواع الفساد اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.
= اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى وألّف بين قلوبهم ووحد صفوفهم وارزقهم العمل بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
= اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا ، و إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء و لا حاسدين ، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك .
اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا واختم بالصالحات أعمالنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |