احذروا طاعون العصر
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
فاتقوا الله أيها الناس فإن بالتقوى زيادة في الرزق وبركة في العمر.
عباد الله: ذنب عظيم وخطر عميم, فساد كبير وجرم مشهود تنافس فيه المبطلون واتبعوا فيه خطوات الشيطان الرجيم فأغضبوا الرب الكريم , ذلكم الذنب هو الرشوة التي عمّت وطمّت وأشغلت الناس عن طلب المال الحلال , فكيف تطيب نفس الراشي والمرتشي وهو يمسي وبصبح في لعنة من رب العالمين لا أدري كيف يهنأ بنوم أم كيف يهنأ بأكل وشرب !!
أيها الناس: الرشوة كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله تعالى في بيان تحريمها: ( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ). أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقا لغيركم، وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم. وقال تعالى عن يهود: ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) "السحت هو الحرام، وهو الرشوة كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه- ".
وقد جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت" رواه ابن حبان وصححه الألباني.
ولذلك فقد استحق الراشي والمرتشي اللعنة على لسان رسول الله؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم" رواه الترمذي وصححه الألباني .
وعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي" رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
والرشوة هي: "ما يعطى لإبطال حق أو إحقاق باطل" ، قال العلماء-رحمهم الله-: "وإنما تلحق اللعنة الراشي إذا قصد بها أذية مسلم أو ينال بها ما لا يستحق، أما إذا أعطى ليتوصل إلى حق له، ويدفع عن نفسه ظلما فإنه غير داخل في اللعنة، وأما الحاكم فالرشوة عليه حرام أبطل بها حقاً أو دفع بها ظلماً"
عباد الله: لقد تعددت صور الرشوة وتنوعت، ومن هذه الصور ما يلي:
أولاً: هدايا الرعية إلى الحكام، أهدي إلى عمر بن عبد العزيز هدية وهو خليفة فردها، فقيل له: كان رسول الله يقبل الهدية! فقال: كان ذلك له هدية، وهو لنا رشوة" .
ثانياً: الرشوة لتعطيل الحدود، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ولا يجوز أن يؤخذ من الزاني أو السارق أو الشارب أو قاطع الطريق ونحوهم مالٌ تُعطّل به الحدود لا لبيت المال ولا لغيره، وهذا المال المأخوذ لتعطيل الحد سحت خبيث وإذا فعل ولي الأمر ذلك فقد جمع فسادين عظيمين أحدهما: تعطيل الحد، والثاني أكل السحت، قال الله تعالى: ( لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)، وقال الله تعالى عن اليهود: ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ )؛ لأنهم كانوا يأكلون السحت من الرشوة التي تسمى أحياناً الهدية .
ثالثاً: ما يعطى لموظفي الدولة لتضييع حق من حقوق الله، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول". وفي البخاري ومسلم عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: استعمل رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: "ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي، ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدى له أم لا! لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلا جاء به يوم القيامة؛ إن كان بعيراً فله رغاء أو بقرة فلها خوار، أو شاة تيعر" ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ثم قال: "اللهم هل بلغت.. اللهم هل بلغت". وصور الرشوة كثيرة، وتختلف من بلد إلى آخر.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد:
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُول: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الرُّشَا، إِلاَّ أُخِذُوا بِالرُّعْبِ" أخرجه أحمد.
قال السّاعاتي في معناه: أي الخوف والفزع بحيث يسلّط الله عليهم من يخيفهم من الأعداء، أو يخيفهم بالطاعون ونحو ذلك، وقال ابن حجر: وفي هذا الحديث ما يقتضي أن الطاعون والوباء ينشأ عن ظهور الفواحش.
الله اكبر !! أليس هذا حالنا !!!!؟ ، أمة لما فشا فيها الرشا جبنت أن تواجه أعداءها بل صار منها فئام عملاء لهم، أمة أصابها الفزع كلّما قالوا هناك انفلونزا كذا أو كذا، وما هو والله إلا وعيد الحبيب -صلى الله عليه وسلم- الذي أوعد به.
عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولاً يَأْتي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَة" رواه أحمد ومسلم.
وفي سنن البيهقي بسنده عن أبي حميد السّاعدي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هدايا العمال غلول" ومعلوم أنّ الغلول جمع غلّ، وهو الطّوق في العنق، وذلك إذا كانت ممن لم يهد إليه من قبل، أو كان لايكافئ عليها.
وبعد أيها الناس حثنا الشارع الحكيم على الكسب الحلال، فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ). وقال سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة –رضي الله عنه قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ثم ذكر الرجل: يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!".
عباد الله: تدبروا العواقب واحذروا قوة المناقب، واخشوا عقوبة المعاقب، أين الذين قعدوا في طلب المًنى وقاموا وداروا على توطئة دار الرحيل وحاموا؟ ما أقل ما لبثوا وما أوفى ما أقاموا! لقد وبخوا في نفوسهم في قعر قبورهم على ما أسلفوا و لاموا.
اللهم إنا أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلط علينا من ﻻ يرحمنا، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت، خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نبوء لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك شاكرين.. لك ذاكرين.. لك راغبين.. لك راهبين. اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، ويسر أمورنا، وطهر قلوبنا، واسلل سخيمة قلوبنا، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار، برحمتك يا أرحم الراحمين!، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشبعان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |