محاسبة النفس والاعتبار بمرور الأيام
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله :
اتقوا الله تعالى وتبصروا في هذه الليالي والأيام, فإنها مراحل تقطعونها إلى الدار الآخرة حتى تنتهوا إلى آخر سفركم, وكل يوم يمر بكم فإنه يبعدكم عن الدنيا ويقربكم من الآخرة, فالسعيد بإذن الله: هو الذي يحاسب نفسه ويغتنم أيام الدنيا فيما يقربه إلى الله. بسم الله الرحمن الرحيم ( وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ).
عباد الله:
إن محاسبة النفس تتلخص في أمور خمسة ألا وهي:
( أداء فرائض الإسلام, وترك المحرمات, والتخلص من المظالم وحقوق العباد, والنظر في أموالنا من أين اكتسبناها وفيم أنفقناها, وشكر النعم ) .
فأما فرائض الإسلام, فأولها:
الإيمان بالله ورسوله, ومقتضى ذلك إفراد الله بالعبادة, وتحقيق متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً.
ومن ذلك: المحافظة على الصلاة في وقتها مع الجماعة .
وكذلك أداء الصوم والزكاة والحج .
ومن ذلك: بر الوالدين وصلة الرحم وحسن الجوار.
ومن ذلك: ما يتعلق بمن تعول في بيتك من زوجة وأولاد:
هل حرصت على إصلاحهم وتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة؟
هل أمرتهم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر؟
هل حرصت على حمايتهم من كل ما يفسد دينهم وأخلاقهم؟
هل طهرت بيتك من الوسائل المفسدة؟
الثاني: المعاصي:
هل حرصت على تركها والبعد عن أسبابها ؟ فإن النار حفت بالشهوات.
الثالث: ما يتعلق بحقوق المخلوقين والتخلص منها
فإنها لا تُتْرك يوم القيامة, حتى ولو كان الشخص من أعبد الناس, قال صلى الله عليه وسلم: ( من كان لأخيه مظلمة من عرض أو مال, فليتحلله اليوم, قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم, فإن كان له عمل صالح, أُخِِذَ منه بقدر مظلمته, وإن لم يكن له عمل, أُخِذَ من سيئات صاحبه فجعلت عليه ) رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم ( إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي وقد شتم هذا, وقذف هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيعطي هذا من حسناته, وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضَى ما عليه, أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ) رواه مسلم.
ومما يتعلق بحقوق العباد: الديون
فيجب على المسلم أن يبادر بوفاء دينه وأن لا يتساهل, فإنه من الحقوق التي لا تترك, قال صلى الله عليه وسلم: ( نفس المسلم معلقة بديْنه حتى يقضى عنه ) وقال أيضاً: ( يُغفر للشهيد من أول قطرة من دمه إلا الدَّين ) .
ولقد ابْتُلِيِ كثير من الناس بالدّين, فأصبحوا يقترضون لأدنى سبب, ولأي عارض يمر بهم, والسبب في ذلك, هو التنافس في الدنيا, والنظر إلى أهل الثراء, والحرص على تحصيل ما حصله الأغنياء, ولو كان ذلك على حساب نفقاتهم الضرورية وتضييع أسرهم, حتى إننا رأينا من يسكن بيتا واسعاً كبيراً لا يسكنه إلا الأغنياء, ويركب سيارة فارهة, ثم يستفتي أهل العلم: هل يجوز له أن يأخذ من الزكاة أم لا, والسبب أن أكثر مرتبه يذهب إلى أصحاب الدين !
لقد أصبح كثيرٌ من الناس مديناً مهموماً مغموماً بسبب هذا التنافس!
وإذا كان كثير من الناس هذه حالهم:
تنافس على الدنيا وانشغالهم بها وبغمها, وهمِّ الديون والحقوق .
فَمَنْ ينصر الإسلام؟ ومن يهتم له؟ ومن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ وكيف نتدبر القرآن؟ ومتى نخشع في صلاتنا؟ ومتى نتذكر الجنة وما أعد الله لأهلها؟
فالواجب على المسلم أن يتقي الله وأن يرحم نفسه وأن يقتنع بما آتاه الله وأن يعيش في الدنيا على قدر ما عنده. وأن يكون الهم الأكبر هو الاستعداد للقاء الله والاستعداد للجنة التي فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
الرابع: الأموال التي تملكها أيها المسلم,
سوف تسأل عنها يوم القيامة,
من أين اكتسبتها؟ أمن حلال أم من حرام؟
ثم بعد اكتساب المال سوف تُسْأل عن النفقة,
فيم أنفقت هذا المال؟ وهل أديت حقوقه؟
فاتقوا الله عباد الله وحاسبوا أنفسكم مادمتم في زمن الإمهال وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً ؛؛ أما بعد:-
عباد الله الأمر الخامس من محاسبة النفس:
شكر النعم:
فإن الله تعالى قد أسبغ عليكم نعمه, وأمركم بشكره, فانظروا موقفكم من نعم الله, وتأملوا في أحوال من قبلكم, وأحوال من حولكم, ممن تنكروا لنعم الله, واستكبروا في الأرض, كيف دهمهم أمر الله, فَبُدِّّلُوا بالنعمة نقمة, وبالأمن خوفاً, وبالغنى والشبع فقراً وجوعاً, واحذروا أن يحل بكم مثلُ ما حل بهم, فإن السعيد من وُعِظَ بغيره.
لقد أنعم الله عليكم بنعم لم تكن موجودة عندهم من سعة في الأرزاق ورفاهية في الملابس والمساكن والمراكب, وصحة في الأبدان وأمن في البلدان, وأعلى من ذلك وأغلى أنِ اصطفى لكم الدين الحنيف, وأقامكم على البيضاء والملة السمحاء, فاشكروا له ولا تكفروه, واذكروه ولا تنسوه, وأطيعوه ولا تعصوه, فإننا نعيش اليوم في نعم لا يصدق بها إلا من يراها بعينه, فنسأل الله أن يرزقنا شكرها, وأن يجعلنا ممن يستعين بنعمه على طاعته, وأن يزيدها, فإن الله تعالى وعد الشاكرين بالزيادة فقال: ( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ).
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام واجمع كلمتهم على الحق يا أرحم الراحمين، اللهم لا تجعل لأعدائنا منةً علينا يا قوي يا عزيز ، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين. اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب ، اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء ، اللهم احفظ ولي أمرنا, اللهم وفقه بتوفيقك وأيده بتأييدك واجعله من أنصار دينك, وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاحُ أمر المسلمين ، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|