وجوب الاستعداد قبل الموت والتحذير من الغناء والمعازف
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن سلعة الله الجنة. وسلعة الله غالية, لا ينالها كل أحد, وإنما تحصل بعد رحمة الله لمن بذل أسباب الوصول إليها, كما قال تعالى: ( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِن فَأُوْلَئكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ) فجمعت هذه الآية الكريمة بين ثلاثة شروط لابد منها:
الأول: حسن النية, وذلك بقوله: ( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ ).
والثاني: الاجتهاد في العمل, وذلك بقوله: ( وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ).
والثالث: أن يكون هذا المجتهد مؤمناً بالله ورسوله ومحققاً لأصول الإيمان وسالماً من الشرك وسائر نواقض الإسلام, وذلك بقوله: ( وَهُوَ مُؤْمِن ). لأن لأعمال الصالحة المستوفية لشروطها, مهما كثُرَت وعَظُمت, فإنها لا تقبل إلا من أهل التوحيد. فمن صلى وصام وتصدق وحج البيت وهو واقع في الشرك أو أيِّ ناقض من نواقض الإسلام فإنه لا يستفيد من تلك الأعمال.
قال الله تعالى لأفضل خلقه محمدٍ r : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ).
ولما ذكر الله الأنبياء عليهم السلام في سورة الأنعام ، قال: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ).
وقال العباس بن عبد المطلب tللنبي r : يا رسول الله, هل نفعت أبا طالبٍ بشيء, فإنه كان يحوطك ويغضب لك ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ( هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل ) رواه البخاري ومسلم.
والسبب في ذلك أنه مات على الشرك فلم يستفد من ذلك العمل.
وقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله, إن ابن جُدعان كان يصل الرحم ويُقري الضيف ويفك العاني ويُحسِن الجوار وأثنت عليه, هل نفعه ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا يا عائشة , إنه لم يقل يوماً: ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) رواه مسلم. والمراد بالخطيئة: الشرك, لأنه مات كافراً.
وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة t أن الصحابة y أسروا ثمامة بن أثال وهو ذاهب إلى العمرة, وأتوا به إلى رسول الله r فربطه بسارية من سواري المسجد, لأنه كان مشركاً فلم يكتفوا بمجرد إحرامه وذهابه إلى العمرة, لأن المشركين كانوا يحجون ويعتمرون ويتصدقون ويعتكفون وينذرون, ولكنهم كانوا يشركون مع الله غيره في العبادة. ولذلك أسروا ثمامة وربطوه بسارية من سواري المسجد وتركوه ثلاثة أيام حتى أعلن إسلامه t.
فمن أراد الآخرة يا عباد الله فليبذل أسبابها وليسع إليها ولا يكتفي بمجرد الأماني.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عُدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد:-
عباد الله:
إن سنن الله في عباده لا تتبدل. ومن سننه: ما يقدره الله من العقوبات بسبب الذنوب والمعاصي, أو بسبب الإعراض عن طاعته وتحكيم شرعه.
وأخبر النبي r , أن من العقوبات في آخر الزمان: الخسف والقذف والمسخ, ومن أسباب هذه العقوبة:
كثرة ظهور المعازف والمغنيات والخمور.
أما المعازف فهي آلات الطرب بجميع أنواعها, فقد كثرت في هذا الزمان وانتشرت انتشارا عظيما وكثر المغنون والمغنيات حتى أصبح الغناء والموسيقى من الأمور التي لا يُسْتغنى عنها خصوصا عند الشباب والشابات، حتى أصبحت لا تفارقهم أبدا حتى في مساجدهم من خلال نغمات جوالاتهم مع الأسف.
وساعد على ذلك انتشار القنوات الفضائية في بيوت المسلمين ووجود قنوات تدفع الأموال الطائلة لبعض المتعالمين من أجل توجيه الناس وإفتائهم بما يرضي أهواءهم ومن ذلك إفتاؤهم بجواز الموسيقى والغناء. واستغنى كثير من الناس بهؤلاء المفتين والموجهين عن العلماء الناصحين الصادقين الذين عُرِفُوا بالورع والخوف من أن يقولوا على الله بغير علم.
وأما الخمور فقد ظهر في هذه الأمة شرب الخمر وتسميتها بغير اسمها. وفُتِن كثير من المسلمين بشربها, وأعظم من ذلك: بيعها جهارا وشربها علانية في كثير البلدان الإسلامية, وانتشرت المخدرات انتشارا عظيما لم يسبق له مثيل مما ينذر بخطر عظيم وفساد كبير.
ومن الأدلة على ظهور المعازف والخمور واستحلالها وإنزال العقوبة على أهلها: قوله عليه الصلاة والسلام: ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم ـ يعني جبل ـ يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم ـ يعني الفقير ـ لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا فيُبيتهم الله ويضع العلم ـ يعني الجبل ـ ويمسخ آخرين قردة وخنازير ).
وقال رسول الله r : ( سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ , قيل: ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقينات ) والقينات: هن المغنيات والراقصات. وقال عليه الصلاة والسلام : ( يشرب ناس من أمتي الخمر, يسمونها بغير اسمها, وليضربن على رؤوسهم بالمعازف والقينات, يخسف الله بهم الأرض, ويجعل منهم قردة وخنازير ).
نسال الله لنا وللمسلمين حسن العاقبة. والأمر لله من قبل ومن بعد. |