استغلال الإجازة الصيفية
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله:
اتقوا الله تعالى واستغلوا أوقاتكم فيما يقربكم إلى الله, فإن هذه الدنيا دار ممر ودار ابتلاء وامتحان, وليست دار مقر للعبد.
بمناسبة بداية الإجازة الصيفية , نوصي أنفسنا وإياكم بتقوى الله, ومراقبة الله في السر والعلن, واستغلال هذه العطلة فيما ينفع من أمور الدين والدنيا. ولا تجعلوا الإجازة سببا للغفلة عن الأمر الذي خلقكم الله من أجله: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ).
والناس في الإجازة ينقسمون إلى رابح وخاسر, قال عليه الصلاة والسلام: ( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمُعْـتِقها أو مُوبِِقها ). كل الناس يغدو, أي: يسعى ويعمل, ولكن سعي الناس مختلف ( إِنَّ سَعْـيَكُمْ لَشَتَّى ), فمنهم من يسعى في عتقها من عذاب الله بفعل الواجبات وترك المحرمات, وهذا هو معنى قوله: ( فمُعْـتِقها ), ومنهم من يبحث عن شهوته ويتبع هوى نفسه دون النظر إلى الحلال والحرام, فيكون بذلك قد عرَّض نفسه لسخط الله, وهذا هو معنى قوله: ( أو موبقها ), يعني: في العذاب.
فمن استغل هذه العطلة في السفر إلى مكة لأداء العمرة والصلاة في المسجد الحرام, أو المدينة النبوية من أجل الصلاة في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام, والتزود بالعمل الصالح, فقد سعى في نجاة نفسه وعتقها من النار. ومن استغل هذه العطلة في صلة الرحم, وزيارة الأقارب, فقد سعى في نجاة نفسه وعتقها من النار.
ومن استغلها في طلب العلم الشرعي وحفظ القرآن, أو الجولات الدعوية لتذكير الناس ونصحهم وبيان حق الله عليهم, وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر, فقد سعى في نجاة نفسه وعتقها من النار. وقد رأينا شبابا صالحين يستغلون إجازاتهم وفراغهم في هذا العمل الجليل, ويشغلون أوقاتهم في التعلم والدعوة والنصح والتوجيه. فهؤلاء من أفضل الناس استغلالا لهذه الإجازة ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّـمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ).
بخلاف من تكون الإجازة سببا لغفلته وبعده عن الله, والنوم عن الصلاة. وبعض الناس قد يستغل الإجازة في السفر إلى البلدان الخارجية ليفتن نفسه ويقع في أوحال الضلالة, وينغمس في أوكار الضلالة ويقضي وقته فيما يسخط الله عليه, وربما يصطحب أهله معه في مثل هذه الأسفار فيجني على نفسه وعليهم. فهذا قد سعى في هلاك نفسه وتعريضه لسخط الله وعقابه.
وبعض الناس قد يسافر إلى بعض البلدان داخل المملكة, أو يذهب للنزهة داخل بلده مع أهله أو أصحابه, وقد يلهو لهوا مباحا, مع محافظته على القيم والأخلاق الفاضلة, فهذا الصنف قد نصح نفسه، وبرَّأها مما يضرها ويشينها. وهذا هو الواجب على المسلم, إما أنه يستغل هذه الإجازة فيما يقربه إلى الله, أو على الأقل يكتفي بفعل ما أباح الله له ويكف عن الشر والوقوع في الحرام. وإياك أيها المسلم أن تجعل العطلة, سببا لتعطل رقابتك لأهل بيتك ومن تحت ولايتك, فإن بعض الناس يظن أن ترك الحبل على الغارب في العُطل, رخصةٌ للأهل وفسحة مفتوحة, خالية من الرقابة والتوجيه, والقوامة الواجبة.
فاتقوا الله عباد الله, واحفظوا أوقاتكم, وقوموا بما أوجب الله عليكم تجاه من تعولون في بيوتكم، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:-
الحمد لله على إحسانه ؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله:
من المعلوم أن أيام الإجازات تكثر فيها الزيارات, والذهاب إلى المنتزهات والاستراحات، وحضور حفلات الزواج والمناسبات فيجب على رب الأسرة مع نسائه ما يلي:
أولا : تذكيرهن بتقوى الله, ومراقبته في السر والعلن, فإن الذكرى نفع المؤمنين, مع إهدائهن الكتيبات والأشرطة النافعة التي توقظ قلب الغافل وتذكره بالله.
ثانيا: أمرهن بالحجاب الشرعي ونهيهن عن التبرج واللباس الذي يلفت أنظار الرجال, بل وحتى في مجتمع النساء, لابد من تجنب الألبسة المحرمة,
فإنه قد جرت العادة أن يتباهى النساء فيما بينهن في أمر اللباس, ويتنافسن في ذلك, فربما يجرهن هذا التنافس إلى تجاوز حدود ما أباح الله لهن, كلباس البنطال والقصير, والمفتوح وشبه العاري.
والذي يجب علينا معرفته هو:
أنه لا يجوز للمرأة أن تلبس ما شاءت أمام النساء بل لا يجوز لها أن تُظهر زينتها أمام النساء إلا ما تُظهره أمام محارمها من الرجال.
فإذا قيل للمرأة المؤمنة: ما الذي تلبسينه أمام أبيك وعمك وخالك وابن أختك ووالد زوجك ؟ فإن قالت: ألبس لباساً محتشماً كاسياً لغالب البدن، مع ظهور الوجه واليدين والقدمين.
قلنا لها: هذا هو أيضاً لباسك أمام النساء، لا فرق بين هذا وهذا، فيجب علينا أن ننتبه لذلك، وأن نُراقب نسائِـنا في لباسهنّ، خصوصاً ونحن نستقبل في هذه الأيام الإجازة الصيفية التي تكثر فيها المناسبات فإنه قد شاع في أوساط النساء ألبسةً لا يجوز السكوت عنها بأي حالٍ من الأحوال.
بل لابد أن نكون صريحين أكثر فنقول:
إذا كان الواحد منّا يرى زوجته وابنته ومن تحت ولايته تلبس ألبسةً مخالفةً، ويسكت عن الإنكار والتغيير فليعلم أن غيْرته ناقصة، وأنه ليس أهلاً للقِوامة والرعاية.
ثالثا: عدم الخلطة بغير المحارم, حتى ولو كانوا من الأقارب ما لم تكن هناك محرمية رضاع.
رابعا: بعض الناس لا يقتصر على زيارة الأقارب والأرحام في أيام الإجازة, بل يتجاوز في ذلك إلى الذهاب إلى الاستراحات والمنتزهات, وهذا مباح والحمد لله,
ولكن بشرط
أن يحذر الأماكن التي يكثر فيها الشباب, أو الأماكن التي يوجد فيها ما يؤثر على أخلاق النساء, وقد لوحظ على بعض من يأتون بأسرهم تساهلا في ذلك.
|