إجازة نصف السنة واستغلالها وتوجيهات لرب الأسرة
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ ن يهده فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله:
اتقوا الله تعالى, واعلموا أن الدنيا سريعة الزوال, تمر أيامها سريعا, خصوصا في آخر الزمان, الذي تكون فيه السنة كالشهر, والشهر كالأسبوع, والأسبوع كاليوم, واليوم كالساعة, كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. وعمرك الذي تعيشه أيها العبد هو مزرعتك التي تجني ثمارها في الدار الآخرة, فإن زرعته بخير وعمل صالح, جَنَيْت السعادة والفلاح. وإن ضيعته في الغفلات وترك الطاعات, والوقوع في المعاصي والمخالفات, ندمت يوم لا تنفعك الندامة. فإن من مات وهو مضيع لحق الله، لابد وأن يقول: ( رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ). عباد الله:
إننا بمناسبة قرب إجازة نصف السنة نوصي أنفسنا وإياكم بتقوى الله, ومراقبة الله في السر والعلن, واستغلال هذه العطلة فيما ينفع من أمور الدين والدنيا. ولا تجعلوا الإجازة سببا للغفلة عن الأمر الذي خلقكم الله من أجله: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
والناس في الإجازة ينقسمون إلى رابح وخاسر, قال عليه الصلاة والسلام: ( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ). كل الناس يغدو, أي: يسعى ويعمل, ولكن سعي الناس مختلف, ( إن سعيكم لشتى ),
فمنهم من يسعى في عتقها من عذاب الله بفعل الواجبات وترك المحرمات, وهذا هو معنى قوله: ( فمعتقها ),
ومنهم من يبحث عن شهوته ويتبع هوى نفسه دون النظر إلى الحلال والحرام, فيكون بذلك قد عرَّض نفسه لسخط الله، وهذا هو معنى قوله: ( أو موبقها ), يعني: في العذاب.
فمن استغل هذه العطلة في السفر إلى مكة لأداء العمرة والصلاة في المسجد الحرام, أو المدينة النبوية من أجل الصلاة في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام, والتزود بالعمل الصالح, فقد سعى في نجاة نفسه وعتقها من النار. ومن استغل هذه العطلة في صلة الرحم, وزيارة الأقارب, فقد سعى في نجاة نفسه وعتقها من النار.
ومن استغلها في طلب العلم الشرعي وحفظ القرآن, أو الجولات الدعوية لتذكير الناس ونصحهم وبيان حق الله عليهم, وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر, فقد سعى في نجاة نفسه وعتقها من النار. وقد رأينا شبابا صالحين يستغلون إجازاتهم وفراغهم في هذا العمل الجليل, ويشغلون أوقاتهم في التعلم والدعوة والنصح والتوجيه. فهؤلاء من أفضل الناس استغلالا لهذه الإجازة, ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ).
بخلاف من تكون الإجازة سببا لغفلته وبعده عن الله, والنوم عن الصلاة. وبعض الناس قد يستغل الإجازة في السفر إلى البلدان الخارجية ليفتن نفسه ويقع في أوحال الضلالة, وينغمس في أوكار الضلالة ويقضي وقته فيما يسخط الله عليه, وربما يصطحب أهله معه في مثل هذه الأسفار فيجني على نفسه وعليهم. فهذا قد سعى في هلاك نفسه وتعريضه لسخط الله وعقابه.
وبعض الناس قد يسافر إلى بعض البلدان داخل المملكة, أو يذهب للنزهة داخل بلده مع أهله أو أصحابه, وقد يلهو لهوا مباحا, مع محافظته على القيم والأخلاق الفاضلة, فهذا الصنف قد نصح نفسه، وبرَّأها مما يضرها ويشينها.
وهذا هو الواجب على المسلم, إما أنه يستغل هذه الإجازة فيما يقربه إلى الله, أو على الأقل يكتفي بفعل ما أباح الله له ويكف عن الشر والوقوع في الحرام.
وإيّاك أيها المسلم أن تجعل العطلة, سببا لتعطل رقابتك لأهل بيتك ومن تحت ولايتك, فإن بعض الناس يظن أن ترك الحبل على الغارب في العُطل, رخصةٌ للأهل وفسحة مفتوحة, خالية من الرقابة والتوجيه, والقوامة الواجبة.
فاتقوا الله عباد الله, واحفظوا أوقاتكم, وقوموا بما أوجب الله عليكم تجاه من تعولون في بيوتكم، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية: الحمد لله على إحسانه؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله:
من المعلوم أن أيام الإجازات تكثر فيها الزيارات, والذهاب إلى المنتزهات والبراري, فيجب على رب الأسرة مع نسائه ما يلي:
أولا: تذكيرهن بتقوى الله, ومراقبته في السر والعلن, فإن الذكرى نفع المؤمنين, مع إهدائهن الكتيبات والأشرطة النافعة التي توقظ قلب الغافل وتذكره بالله.
ثانيا: أمرهن بالحجاب الشرعي ونهيهن عن التبرج واللباس الذي يلفت أنظار الرجال, بل وحتى في مجتمع النساء, لابد من تجنب الألبسة المحرمة, فإنه قد جرت العادة أن يتباهى النساء فيما بينهن في أمر اللباس, ويتنافسن في ذلك, فربما يجرهن هذا التنافس إلى تجاوز حدود ما أباح الله لهن, كلباس البنطال والقصير, والمفتوح وشبه العاري.
ثالثا: عدم الخلطة بغير المحارم, حتى ولو كانوا من الأقارب, ما لم تكن هناك محرمية رضاع.
رابعا: بعض الناس لا يقتصر على زيارة الأقارب والأرحام في أيام الإجازة, بل يتجاوز في ذلك إلى الذهاب إلى البر والنزهة, وهذا مباح والحمد لله, ولكن بشرط أن يحذر الأماكن التي يكثر فيها الشباب, أو الأماكن التي يوجد فيها ما يؤثر على أخلاق النساء, خصوصا وأن الإجازات تكثر فيها المهرجانات التي يصاحبها كثير من الفعاليات والتجمعات وقد لوحظ على بعض من يأتون بأسرهم تساهلا في ذلك.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم آتِ نفُوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح ولاة أمرنا، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله وبغضّ إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
|