تفسير سورة الإخلاص
الخطبة الأولى:-
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ؛ ومن سيئات أعمالنا ؛ من يهده الله فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلا هادي له ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
عباد الله :
اتقوا الله تعالى, وعليكم بتلاوة كتاب الله، وتدبره, والعمل بما فيه .
ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا سمع رجلا يقرأ : قل هو الله أحد. يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، وكأن الرجل يتقالُّها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلث القرآن ).
سورة عظيمة, عبارة عن أربع آيات ، تضمنت إثبات صفات الكمال لله, ونفي صفات النقص والعيب عنه سبحانه, مع نفي الشبيه والمثيل والمكافئ.
إثبات صفات الكمال بقوله : ( الله أحد * الله الصمد ).
ونفي صفات النقص والعيب بقوله: ( لم يلد ولم يولد ). وذلك لكمال غناه .
ونفي الشبيه والمثيل بقوله: ( ولم يكن له كفواً أحد ).
( قل هو الله أحد ) : أمرٌ من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم. والأمة داخلة في هذا الأمر.
و ( الله ) : اسم الله تعالى, لا يُسَمَّى به غيرُه, وهو أصل الأسماء.
ومعناه: الإله الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وتعظيما, وهو المستحق للعبادة وحده دونما سواه .
و ( الأحد ): اسم من أسماء الله . ومعناه: الواحد في إلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته . و ( الصمد ): السيد الكامل في سُؤْدَدِه, الكامل في أسمائه وصفاته, الذي تصمد إليه في جميع أمورها وحوائجها, لأن جميه خلقه مفتقرون إليه ( لم يلد ) أي: ليس له صاحبة ولا ولد.
و ( لم يولد ): أي: ليس له والد أو أصول يتفرع منها, فهو الأول الذي ليس قبله شيء, والآخر الذي ليس بعده شيء, سبحانه وبحمده, ولا إله إلا هو .
و ( لم يكن له كفواً أحد ): أي: ليس له شبيه ولا عِدْلٌ ولا مثيل ، ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )، لا في أسمائه ولا في أوصافه ولا في أفعاله تبارك وتعالى .
وهذه السورة يا عباد الله فوائدها كثيرة
أولها : أنها تعدل ثلث القرآن كما سمعتم في الحديث .
والسبب في ذلك: هو أن القرآن ثلاثة أجزاء: توحيد, وقصص, وأحكام. وهذه السورة داخلة ضمن الجزء الأول, وهو التوحيد, ويكفي أنها تسمى سورةُ الإخلاص .
الفائدة الثانية: أنها صفة الرحمن ، لما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها, أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بـ قل هو الله أحد . فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( سلوه لأي شيء يصنع ذلك ). فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن ، وأنا أحب أن أقرأ بها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أخبروه أن الله يحبه ).
وفي هذا الحديث دليل واضح على :
أن الإهتمام بتوحيد الأسماء والصفات, ودراسته سبب لمحبة العبد لربه وتعظيمه وإجلاله .
فمن أراد أن يمتلئ قلبه حباً لله فليعتنِ بهذا النوع من أنواع التوحيد.
الفائدة الثالثة: أن حُبَّها سبب للفوز بمحبة الله تعالى لما ورد في الحديث السابق .
الفائدة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي نفسه بها مع المعوذتين قبل النوم ، لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه ، نفث في كفيه بـ قل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا ، ثم يمسح بهما وجهه ، وما بلغت يداه من جسده ، قالت عائشة : فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به ).
الفائدة الخامسة: أن حُبَّها سبب لدخول الجنة . لما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء ، وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به ، افتتح " قل هو الله أحد " حتى يفرغ منها ، ثم يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة ، فكلمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى ، فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى ، فقال : ما أنا بتاركها ، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت ، وإن كرهتم تركتكم ، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره ، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر ، فقال: ( يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك ، وما يحملك على لزوم هذة السورة في كل ركعة ). فقال: ( إني أحبها ، فقال: ( حبك إياها أدخلك الجنة ) .
نسأل الله أن يرزقنا حُبَّه وحُبَّ العمل الذي يُقربنا إلى حبه . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ؛ والعاقبة للمتقين ؛ ولا عُدوان إلا على الظالمين ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ؛ وسلم تسليماً كثيراً ؛؛ أما بعد:-
عباد الله:
الفائدة السادسة من فوائد هذه السورة العظيمة: أنها سبب لحفظ العبد وحمايته إذا قرأها حين يصبح وحين يمسي ، لما رواه أبو داود عن عبد الله بن خُبَيْب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: قال, فلم يقل شيئا ، فقال: قل . فلم يقل شيئا ، ثم قال : قل, فلم يقل شيئا ، ثم قال : قل : فقلت: يا رسول الله ما أقول ؟ قال: ( قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء ).
الفائدة السابعة: أن الدعاء بها مستجاب ، لما رواه النسائي عن مِحْجَن بن الأدرع رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد ، إذا رجلٌ قد قضى صلاته وهو يتشهد ، فقال: اللهم إني أسألك يا الله ! بأنك الواحد الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي ، إنك أنت الغفور الرحيم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قد غفر الله له ). ثلاثا.
الفائدة الثامنة: مارواه أحمد في مسنده عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة ).
فيا لها من سورة عظيمة, ينبغي للمؤمن أن يتأملها وأن يعتني بها.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام.
|