الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:- عباد الله:
اتقوا الله تعالى, واعلموا أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الاعتِدَاءَ على الأَنفُسِ المَعصُومَةِ وَنهى عَن قَتلِهَا بِغَيرِ حَقٍّ، وَجَاءَ في الكتاب والسنة ما يدل على تَحرِيمُ قَتلِ المُسلِمِينَ أَوِ المُعَاهَدِينَ، وَالتَّأكِيدُ عَلَى حِفظِ ذِمَّةِ المُسلِمِينَ وَالتَّحذِيرُ مِنَ الغَدرِ وَنَقضِ العَهدِ الذي أَبرَمُوهُ، وَبَيَانُ أَنَّ مَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ ارتَكَبَ كَبِيرَةً مِن كبائر الذنوب. قال الله تعالى في كتابه العزيز: ( قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي كانت إيذاناً باكتمال الدين وتمام النعمة، يقول: ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا.(
عباد الله: إن معصية القتل موبقة من الموبقات السبع التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باجتنابها، وهي من الجرائم النكراء التي تدل على قسوة القلب وفساده ونجاسته وبعده عن الله وشرعه، قال تعالى: ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )، نعوذ بالله؛ غضب من الله ولعنة وعذاب عظيم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مسلم )، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يَزال المؤمنُ فِي فُسْحَةٍ من دِينِهِ ما لم يُصِبْ دَمًا حراماً )، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ) والمعاهد هو: الكافر الذي بينه وبين المسلمين سواء كانوا فردا أو جماعة أو دولة عهد أو أمان وجوار أو جاء لعقد عمل في الدولة المسلمة.
عباد الله:
إن حرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة شرفها الله, قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عندما رأى الكعبة: ( ما أعظم حرمتك عند الله وإن المسلم أعظم منك حرمة).
إن للوقوع في القتل وسفك الدماء أسباباُ:
منها أولاً: ضعف الإيمان وانعدام خوف الله سبحانه من قلب القاتل واتباعه سبيل الشيطان.
ومنها أيضاً: فساد العقيدة بسبب الوقوع في عقيد التكفير التي يستحل أصحابها قتل غيرهم من المسلمين والمعاهدين.
ومنها أيضاً: الغضب، فإن الغضب قد يوقع في عظائم الأمور والتي منها القتل، فعلى المسلم أن يحذر الغضب لأنه يجر إلى ما لا تحمد عقباه، وقد أثنى الله سبحانه على عباده الذين يكظمون غيظهم ويتحكمون في أنفسهم في حالة الغضب، ولا يفسحون لغضبهم المجال أن يوقعهم فيما لا يرضاه الله، قال تعالى: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين )، وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تغضب )، فردد مرارا، قال: ( لا تغضب ).
ومن ذلك أيضاً: الحسد، وقد ذكر بعض المفسرين أن سبب قتل ابن آدم لأخيه هو الحسد.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ؛ وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:- عباد الله:
ومما يفضي إلى جريمة القتل: الظلم، كظلم الورثة بعضهم لبعض، وظلم الأجراء وأكل حقوقهم، وقذف الناس والاعتداء على أعراضهم، كل هذا يجر إلى هذه المعصية العظيمة وهذه الجريمة النكراء.
ومنها أيضاً: سوء التربية للنشء وزرع العصبية القبلية في نفوسهم والظلم وحب الانتقام وتمكينهم من حمل الآلات القاتلة.
ألا وإن من الآلات القاتلة: السيارات؛ والتي لم يوضع إلى الآن حد رادع لمستخدميها من المراهقين المفحطين الذين يروعون الآمنين ويقتلون الأبرياء بتصرفاتهم وقيادتهم الجنونية. ولا يُراعون للطرقات حقها, ولا للدماء المعصومة حرمتها، والمصيبة أن بعض وسائل الإعلام تُجْري معهم المقابلات واللقاءات مع تصوير أفعالهم المشينة, بدلاً من أن يُعامَلوا معاملة المفسدين الذين يسعون في الأرض فساداً، وبدلاً من أن يُلْحَقوا بالقَتَلَة الإرهابيين.
فإلى الله المشتكى.
نسأل الله أن يصلح ضال المسلمين |