أحكام اليمين
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ؛ ومن سيئات أعمالنا ؛ من يهده فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واحفظوا أيمانكم كما أمركم بذلك بقوله : ( واحفظوا أيمانكم )، لأن في حفظها تعظيما لله, وعلامةً على سلامة التوحيد في قلب العبد. والأيمان جمع يمين, وهي: توكيد الحكم بذكر معظم على وجه مخصوص.
وحفظ اليمين ينقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: حفظها من الحلف بغير الله, لأن من حلف بغير الله فقد أشرك.
الثاني: حفظها من الحلف الكاذب, وهو اليمين الغموس, التي تغمس صاحبها في الإثم.
الثالث: حفظها من كثرة الحلف بلا حاجة تستدعي ذلك, فإن بعض الناس يحلف على كل شيء يقوله, وفي ذلك استهانة بالمحلوف وهو الله سبحانه.
وقد ذكر أهل العلم أن كثرة الحلف بلا مبرر علامة نقص التوحيد في قلب العبد.
الرابع: حفظها بأداء الكفارة. واليمين التي تجب بها الكفارة هي اليمين التي يُحْلَفُ فيها باسم الله أو بصفة من صفاته، كأن يقول : والله، أو ووجه الله، أو وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته ورحمته، أو وعهده، أو وإرادته، أو بالقرآن.
ويشترط لوجوب الكفارة إذا حلف العبد بالله ثم نقض اليمين ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن تكون اليمين منعقدة، بأن يقصد الحالف عقدها على أمر مستقبل ممكن قال الله تعالى لَا وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ وإذا تلفظ باليمين بدون قصد لها؛ كما لو قال : لا والله ، وبلى والله, وهو لا يقصد اليمين، وإنما جرى على لسانه هذا اللفظ بدون قصد، فهو لغو، لا كفارة فيه، لقوله تعالى: ( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ) وكذا لو حلف عن قصد يظن صدق نفسه فبان بخلافه فلا كفارة عليه.
الشرط الثاني : أن يحلف مختارا، فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه; لقوله صلى الله عليه وسلم: ( رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) .
الشرط الثالث: أن يحنث فيها، بأن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله مختارا ذاكرا ليمينه، فإذا حنث ناسيا ليمينه أو مكرها فلا كفارة عليه، لأنه لا إثم عليه.
وإن استثنى في يمينه كما لو قال : والله لأفعلن كذا إن شاء الله، لم يحنث في يمينه إذا نقضها، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من حلف فقال : إن شاء الله ، لم يحنث ) رواه أحمد. ونقض اليمين تارة يكون واجبا، وتارة يكون محرما، وتارة يكون مباحا، فيجب نقض اليمين إذا حلف على ترك واجب، كما لو حلف لا يصل رحمه، أو حلف على فعل محرم، كما لو حلف ليشربن خمرا، أو ليشربن الدخان فهنا يجب عليه أن ينقض يمينه، ويكفر عنها.
ويباح نقض اليمين فيما إذا حلف على فعل مباح أو على تركه. قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما حلفت على يمين ، فرأيت غيرها خيرا منها ، إلا أتيت الذي هو خير ، وكفرت عن يميني )، وقال عليه الصلاة والسلام : ( من حلف على يمين ، فرأى غيرها خيرا منها ، فليأت الذي هو خير ، وليكفر عن يمينها ) ومن حرم على نفسه شيئا مباحا, كما لو قال : ما أحل الله علي: فهو حرام ، أو قال : هذا الطعام أو هذا اللباس حرام علي ، فإنه لا يحرم عليه; ويكون عليه كفارة يمين. كذلك لو قال: زوجتي علي حرام; فعليه كفارة يمين إلا إذا قصد الطلاق أو الظهار, فإن الأعمال بالنيات. وبعض الناس مع الأسف يحلف بالطلاق على إلزام غيره فعل شيء معين, كأن يقول علي الطلاق لتقبلن هديتي أو دعوتي, وهذا من سوء الأدب ومن اتخاذ آيات الله هزوا. والحكم فيه فيما لو لم تُقبل هديته أو دعوته: أنها يمين تجب فيها الكفارة, إلا إذا كان قاصدا الطلاق, فهو طلاق. فاتقوا الله عباد الله, واحفظوا أيمانكم, واعرفوا أحكامها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّرِ الحكيم؛ أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ؛ الرحمن الرحيم ؛ مالك يوم الدين ؛ والعاقبة للمتقين ؛ ولا عُدوان إلا على الظالمين ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام الأولين والآخرين ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ؛ وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله: من رحمة الله بعباده أن شرع لهم الكفارة التي بها تحلة اليمين، قال الله تعالى: ( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ )، وكفارة اليمين فيها تخيير وفيها ترتيب، فيخير من لزمته بين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فمن لم يجد شيئا من هذه الثلاثة المذكورة، صام ثلاثة أيام متتابعة. ولا يجوز له أن يبدأ بالصيام أولاً, إلا إذا تعذر الإطعام أو الكسوة أو العتق، ويجوز تقديم الكفارة على الحنث ، ويجوز تأخيرها عنه ، فإن قدمها ، كانت محللة لليمين ، وإن أخرها ; كانت مكفرة له.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، اللهم فقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء، اللهم احفظ ولي أمرنا, اللهم وفقه بتوفيقك وأيده بتأييدك واجعله من أنصار دينك, وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاحُ أمر المسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، [ وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ].
|