الحِرْصُ على صلاحِ الذُّرِّيَّة
مَعَ الدِّفاعِ عن كَرامَةِ يعقوبَ عليهِ السلام
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن مِنْ أَعْظَمِ مَطالِبِ المؤمنين الصادقين, الذُّرِّيَّةَ الصالحة, التي تكونُ لهم ذُخْراً في الآخرة, وقُرَّةَ عينٍ في الدنيا, وسَبَباً لِنُصرَةِ هذا الدينِ وَكَثْرَةِ أهْلِه. وليسَ هذا المَطْلَبُ عندهم مُجَرَّدَ أُمْنِيَةٍ يَتَمَنُّونَها بِألسِنَتِهِم وقُلُوبِهِم. وإنما هو مَطْلَبٌ قَدْ بَذَلُوا أسبابَه طِيلَةَ حياتِهِم. وإن مِنْ أَعْظَمِ هذِهِ الأسباب: الإجتِهادَ في الدعاءِ مِنْ أَجْلِ حُصًولِ الذُّرِّيَّةِ الصالِحَةِ قَبْلَ وُجُودِها: قال الله تعالى عن خلِيلِهِ إبراهيمَ عليه السلام: ( رَبِّ هَبْ لي مِنَ الصالِحِين ), وفي الآية الأخرى: ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَة ). وقال تعالى في وَصْفِ عِبادِ الرحمن: ( والذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لنا مِنْ أزواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُن ).
ومِنْ الأسباب أيضاً: اختِيارُ الزوجةِ الصالِحَةِ التي سَتَكونُ أُماً لِهذِهِ الذُّرِّيَّة, وَمُعِينَةً لِزَوجِها على دِينِه وعلى إصلاحِ بيتِه, لِقَوْلِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( الدنيا متاع, وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصالحة ). ولقوله: ( فاظفر بِذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يداك ).
وَمِن أسْبابِ صلاحِ الذُّرِّيَّة: عِفَّةُ الأب, وأكْلُ الحلال, وبرُّ الوالدين, والإحسانُ إلى الخلق. فإن ذلك ينعَكِسُ على ذُرِّيةِ الإنسان. فَمَنْ عَفَّ عَفَّتْ نِساؤُهُ وذُرِّيَّتُه. وَمَنْ أَكَلَ الحَلالَ الطَّيِّبَ أسَّسَ أَهْلَهُ وَذُرِّيَّتَه على الطَيِّباتِ وغَذَّاهُمْ بِها. وَمَنْ بَرَّ والدَيْهِ بَرَّهُ أَوْلادُه. وَمَنْ أحسَنَ إلى الخَلْقِ خُصوصاً الأرامِلَ واليتامَى, أَحْسَنَ اللهُ إليهِ وحَفِظَ ذُرِّيَّتَه حالَ حياتِه وبَعْدَ مَوتِه, قالَ تعالى: ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا ). فَأَحْسِنُوا رَحِمَكُم اللهُ إلى اليتامى, والضُعَفاءِ والأرامِل, وأَبْشِرُوا بحفظِ اللهِ لِذرياتِكم مِن بعدِكم, ولا تخافوا عليهم ولا تحزنوا.
وَمِنْ أسبابِ صلاحِ الذُّرِّيَّةِ: الذِّكْرُ عِنْدَ الجِماع, لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم ( لو أن أحدَكُم إذا أراد أن يأتيَ أهلَهُ قال: بسم الله، اللهم جَنِّبْنا الشيطانَ وجَنِّبِ الشيطانَ ما رَزَقتَنا، فإنه إِنْ يُقَدَّر بينَهُما وَلَدٌ في ذلك, لَمْ يَضُّرَّهُ شَيطانٌ أَبَدا ).
ومِنْ ذلكَ أيضاً: أداءُ شُكْرِ نِعْمَةِ الولَد بذبحِ العقيقة, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ ). فشَرَعَ اللهُ العَقيقَةَ لِكَي يَتم شكرُ الوالدِ لِرَبِّه على إنعامِه له بالولد, فتمامُ الشُّكرِ مرهونٌ بذبح العَقِيقَة. فَيَذْبَحُ عن الغُلامِ شاتين, وعن الجارِيَةِ شاةً واحدة.
ويُشْرَعُ حَلْقُ الرَّأسِ أيضاً في اليوم السابِع, لكنه خاصٌ بالغلام, وأما الجارِيَةُ فلا يُسَنُّ حَلْقُ رأسها. وحَلْقُ الرأسِ لابُدَّ فيه مِن التعمِيم لِعُمُومِ النَّهيِ عن القَزَع, ( فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القَزَع ). والقَزَعُ: هو حَلْقُ بَعْضِ الرَّأسِ وَتَرْكُ بَعْضِه, كَما يَفْعَلُهُ بَعْضُ الشبابِ هداهُمُ الله. وليس النهْيُ خاصاً بالكبار, بل هو عام, لأن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم رَأَى صَبِياً قَدْ حُلِقَ بَعْضُ رأسِهِ, وَتُرِكَ بَعْضُه, فَنَهاهُم عن ذلك وقال: ( أُحْلُقُوه كُلَّه, أّو أُتْرُكُوه كُلَّه ).
ويَنْبَغِي للأبَوَين أنْ يَختارا الاسمَ الحَسَنَ للمولود, لأنَّ الاسمَ عُنوانٌ لِهذا المَولودِ, ودَليلٌ عليهِ, سوفَ يُنادَى بِهِ طِيلَةَ حياتِه, فلا يَجُوزُ لِلأبَوَينِ أنْ يَحْرِماهُ مِن هذِهِ الزِّينَةِ باختِيارِ اسمٍ لا يَليقُ. وإذا كانَ الاسمُ الحَسَنُ الذي اختاراهُ لِلمَولودِ مَتَوافقاً مَعَ الأسماءِ التي اسْتَحَبّها رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم, أو مَعَ اسمِ نَبِيٍّ مِنَ الأنبياءِ أو الصالحِين, زادَهُ حُسناً, لِقَولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( كانوا يُسَمُّونَ بِأسماءِ أنبيائِهِم والصالِحين قَبْلَهُم ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: إذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أخْبَرَ بِأنهم كانوا يُسَمُّون بِأسماءِ أنبِيائِهِم, فاعلموا أَنَّ مِنَ الظَواهِرِ السَّيِّئَةِ المُنْتَشِرةِ في أوساطِ المُسلِمين: تَسْمِيَةَ دَولَةِ اليَهودِ المَغْضوبِ عليهِم باسْمِ إسرائيل!!! دُونَ نَكير. حَتى صارَ هذا الاسْمُ مَكْرُوها لدى كثيرٍ مِنَ المُسلِمين. مِمَّا يَسْتَوجِبُ علينا الغَيْرَةَ لِأنبِياءِ اللهِ ورُسُلِه, لِأنَّها تَمَسُّ كَرامَةَ رَسُولٍ كَريمٍ مِنْ ساداتِ الرُّسُل, وهُو يُعْقوبُ بنُ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ عليهم الصلاةُ والسلام. فإنَّ إسرائيلَ هو إسمُ يَعْقوبَ عليه السلام. قال تعالى مُبَيِّناً مَنْزِلَةَ هذا الرسولِ الكريمِ مَعَ أَبَوَيْه: ( واذْكُرْ عِبادَنا إبراهيمَ وإسحاقَ ويَعْقوبَ أولي الأيْدِي والأبْصار * إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكرَى الدار * وإِنَّهُم عِنْدنا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأخيار ). فكيفَ تَنْطَلِي على المسلمين هذهِ التسمية؟ حتى صار كثيرٌ مِنَ المسلمين يذكُرُونَ اسمَ إسرائيل ويَسُوقُونَهُ سِياقَ الذّمِّ لِهَذِهِ الدَّولةِ الخبيثَة, فيقولون: فَعَلَتْ إسرائيل, وصَنَعَتْ إسرائيل, وأَجْرَمَتْ إسرائيل. فَيُوَجِّهونَ الذّمَّ والطَّعْنَ وهُمْ يَتَداولُونَ اسمَ هذا النبيَّ الكريم. فَيَجِبُ الحَذَرُ مِنْ ذلك.
ولا بد أَنْ تَعْلَمُوا يا عِبادَ اللهِ أَنَّ مِنَ السَلَفِ مَنْ كانوا يَسَمُّونَ أبناءَهُم بإسرائيل, مِثْلُ ما كانوا يُسَمُّونَ موسى وعيسى وإبراهيم.
وَمِنْ أسبابِ صلاحِ الذُّريَّةِ أيضاً: أَمْرُهُم بالصلاةِ لِسَبعٍ وضَرْبُهُم عليها لِعَشر, والتفريقُ بينهم في المضاجِع.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها أنت وليّها ومولاها، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارزقنا تقواك, واجعلنا نخشاك كأننا نراك، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الكتاب والسنة، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لعدوهم منةً عليهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كلِّ مكانٍ، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في كل مكان يا قوي يا عزيز، اللهم وفق وُلاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبّب إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله وبصّرهم بأعدائهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |