التلازم بين حياة القلب والحرص على العبادة
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, واستعدوا قبل الموت لما بعد الموت: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾.
واعلموا أن لحياة القلب علامات كثيرة, منها: تَعَلُّقُه بالعبادة والإستكثار منها, وذلك لا يتحقق إلا بأمور:
أولها: الفرح بمواسم الخير, والأوقات التي تَفْضُلُ فيها العبادة. كالفرح بإدراك رمضان, وعشر ذي الحجة, ويوم عاشوراء. ومن ذلك: استغلال جوف الليل بالصلاة وقراءة القرآن والدعاء. فهل أنت تفرح بإدراك مثل ذلك؟ فإنها علامة على حياة قلبك.
الثاني: الحسرة على فوات الطاعة, فإن المؤمن إذا ترك أمراً أوجبه الله عليه لا بد أن يوجد في قلبه ألم أعظم من تألم الحريص على دنياه إذا فاته شيء منها كما قال تعالى في شأن بعض الصحابة عندما جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريدون الخروج معه إلى الجهاد في غزوة تبوك, فقال لهم: ﴿ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾ أي, ليس عندي ما يحملكم معنا إلى الغزو, فرجعوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبكون حُزْناً على عدم المشاركة في الجهاد, فأنزل الله تعالى قوله: ﴿ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ﴾. فهذه هي حال المؤمن عندما لا يتمكن من فعل الطاعة أو تفوته الطاعة, يحزن لذلك حزنا شديدا. وهذا عام في الجهاد وغيره. فتجده إذا فاتته صلاة الفجر مثلاً يضيق صدره ويحزن ويتألم لذلك, لأنه يعلم الحكمة التي خلق من أجلها، بخلاف صاحب القلب البليد الذي تفوته الصلاة تلو الصلاة، فلا يتأثر، وتمر عليه أيام بل شهور لم يقرأ القرآن فلا يتأثر ولا يحزن لذلك، لأن قلبه متعلق بالدنيا لا يحزن إلا بفوات شيء منها. وفي شهر رمضان يحزن لسرعة مرور أيامه وانقضائها, خوفا من عدم استغلالها كما ينبغي, فتجده كلما تقدمت به الأيام زاد اجتهاده, وَبَخِلَ بأوقاته أشدَّ من بخل البخيل بماله. خوفا من انقضاء الشهر الذي لا يأتي إلا مرة واحدة في العام. فتجده يتألَّمُ على فوات أيام رمضان أكثر من تَأَلُّمِ أهل الدنيا على فوات فرص المكاسب.
الثالث: الخوف من عدم القبول: فإن في ذلك مدعاةً لِلْجِد والإجتهاد, بِعَكْسِ الإِغْتِرَار فإنه مِنْ أسباب الفُتُورِ أو تَركِ العَمَل, وهو أشد مِنْ فِعْلِ المعاصي والعياذ بالله, لأنهُ إِدْلاءٌ على الله وامتِنَانٌ عليه, وقد مدح الله الذين يعملون ويخافون مِن عَدَمِ القَبُول, وَبَيَّنَ أنهم أهلُ المُسَارَعَةِ إلى الخيرات فقال: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾. فَسَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك بِأَنَّهُم: ( الذين يُصَلُّون ويصومون ويتصدقون, وَهُمْ يخافون أن لا يُقْبَلَ مِنْهُم ). ولذلك تجدهم أحرصَ الناس على تحقيق شرطي قبول العمل - الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم - ويلزم من ذلك سلامة قلوبهم من العُجْبِ والإغترار بالعمل, بخلاف المُمْتَنِّينَ على الله بأعمالهم, فإنهم يستكثرون ما يفعلونه, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك: العُجْب العُجْب ).
فهذه أمور ثلاثة إذا وجدت في قلبك فافرح بذلك فإنها علامة على حياته: الفرح بمواسم الخير. والحزن على فوات الطاعة. والخوف من عدم القبول.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ،
عباد الله: مِن أعظمِ خصائصِ هذا الشهر, أن فُرَصَه لا تنتهى حتى آخر ليلة من شهر رمضان. وهذا من أعظم ما يحثُّ المؤمنَ المجتهدَ في الطاعة على مواصلَةِِ اجتهاده. وكذلك من أعظم ما يُفْرِحُ المُقَصِّرَ أو المُفَرِّطَ على التعويض. وما ذاك إلا لأن لله عُتَقاءَ من النار كُلَّ ليلةٍ طيلة الشهر. وكذلك فإن أفضَلَ ليالي الشهر, هي العَشرُ الأواخر التي نستقبلها بعد أيام, فقد ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شَدِّ مِئزَرَه, وأحيا ليله, وأيقظ أهله ). وسبب ذلك هو خِتامُ الشهر بالمزيد من العمل والإجتهاد, وتَحَرِّي ليلةَ القدر. التي أخفى الله تعالى علمها في هذه العشر, رحمةً بِعِبَادِه ليَكْثُر عملُهم في طلبها, بالصلاةِ والذكرِ والدعاءِ, فيزدادُوا قُرْبةً من الله وثواباً، واختباراً لهم ليتبينَ بذلك مَنْ كانَ جادَّاً في طلبها حريصاً عليها ، فإنَّ مَنْ حرصَ على شيءٍ جدَّ في طلبِه وهانَ عليه التعبُ في سبيلِ الوصولِ إليهِ والظَفر به.
اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وعلى حسن عبادتك، اللهم تقبل منا الصيام والقيام, وتجاوز عن التقصير والآثام، ووفقنا فيما بقي من الليالي والأيام، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ولا تردنا خائبين، اللهم اجعلنا في هذا الشهر من عتقائك من النار اللهم أعتق رقابنا من النار يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحتهم، اللهم اربط على قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالرافضة والبعث العلويين الذين آذوا إخواننا في بلاد الشام، وعليك باليهود الذين استحلوا بلادنا ودماء إخواننا في فلسطين، وعليك بالوثنيين البوذيين الذين استحلوا دماء وأعراض إخواننا في بورما، اللهم عليك بهم, فإنهم لا يعجزونك. اللهم اشدد وطأتك عليهم واطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها يا رب العالمين، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وبصّرهم بأعدائهم يا حيّ يا قيوم، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد .
|