أول جمعة من شوال
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن الراحة الحقيقية, والفرح الذي لا يفوقه فرح: عندما تدخل من باب الجنة. هنا يشعر المؤمن بالأمان وطعم الراحة التي ليس بعدها نصب ولا وصب. والفرح الذي لا يُنَغِّصُ عليه حزن أو توقف أو انقطاع. وأما راحة الدنيا فغير مأمونة, وفرح الدنيا لابد وأن يعقبه ما ينغصه, لأن الدنيا لا تدوم على حال, وهي مع ذلك متاع الغرور, ولا تزن عند الله جناح بعوضة.
فيا من رزقه الله المالَ والغِنى, قَدِّم لِنَفْسِكَ قبلَ موتك, وإياكَ أن تَخْرُجَ من الدنيا, وليس أَمامَكَ مما جمعتَ شيءٌ, واعلم أنكَ مهما وَفّرْتَ لِنفْسِكَ من النعيم والراحة, فإنك ذاهِبٌ وتارِكُه, واعلم أن ما عندَ اللهِ خيرٌ وأبقى. ويا مَنْ حُرِمَ السَّعَةَ في الرِّزْق, وكَثُرَ عليه البلاء, لا تَحزَن على فواتِ الدنيا, فإن عمرها قصير, وهي متاع الغرور. روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ.! وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ: لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ).
فهذان رجلان: أحدهما: كافر, وزيادة على ذلك, لا يوجد أحد من أهل الدنيا مثله, منذ أن خلقت الدنيا إلى قيام الساعة, في الثراء والنعيم والترف وتحقيق الرغبات والشهوات والملذات. ثم يُصبغ في النار صبغة - لحظة يسيرة - ثم يُسأل بعد هذه الصبغة, ( هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ ) فينسى كل ذلك النعيم الذي كان فيه, ويؤكد ذلك بالحلف, فيقول: (لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ ). نسي الأموال, نسي القصور, نسي المراكب الفارهة, والمآكل والمشارب الهنية, واللباس الناعم, والمتعة والملذات والشهوات, والجاه والمكانة. ذهب ذلك كله كأنه لم يكن, مقابل غمسة في نار جهنم, النار التي فيها من العذاب الأليم مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فإلى الله نشكو ما نحن فيه من قسوة وغفلة في قلوبنا.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ): لا يوجد أحد من أهل الدنيا منذ أن خلقت إلى قيام الساعة أبأس منه. - إبتلاءات متعددة - أمراض وفقر ومحن. لكنه صابر محتسب. لم يحمله فقره على اللجوء إلى الحرام, لعلمه أن الدنيا أيام قليله ومتاع زائل. ولم يحمله مرضه على الجزع والتسخط أو التداوي بالحرام, ولم يحمله حرمانه من متع الدنيا على التخلي عن دينه وأمانته وعفته ونزاهته. ثم يغمس غمسة في الجنة, ثم يقال له: ( هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ ), فينسى كل ذلك البؤس حتى كأنه لم يكن, ويؤكد ذلك بالحلف: (لا وَاللَّهِ). وذلك حينما يرى النعيم بعينه!! يَرَى نعيماً يفوق الوصف والخيال. ( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ , وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ , وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ).
فيا عبدالله: لِتَكُنِ الآخرةُ هَمَّك, فإنَ من كانت الآخرة همَّه, لم يركَن إلى الدنيا, ولم يغفل عن طاعة الله, ولم يتَجَرَّأ على معصية, ولم يتساهل في حقوق عباد الله. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ،
عباد الله: روى مسلمٌ في صحيحه, عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ). ولا فرق بين أن يصوم الإنسان هذه الأيام الستة بعد العيدِ مباشرة أو يؤخرها بعدَ ذلك, ولا فرق بين أن يصومها تباعاً أو يفرقها, لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ذلك ولم يقيده, ولكن لابد أن تكون بعد انتهاء كل أيامِ رمضان, فمن عليه قضاءٌ من رمضان فإنه لا ينفعه أن يصومَ الأيام الستة قبل أن يقضي ما عليه من رمضان, لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ ) فلابد من صيام رمضان أولاً ثم إتباعه بستةِ أيام من شوال. لأن هذه الأيام الستة بمثابة النافلة الراتبة, مرتبطة بشهر رمضان, بخلاف غيرها من النوافل, كيوم عرفة وعاشوراء, فإنه يجوز صيامها قبل القضاء, لعدم تعلقها بشهر رمضان.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم آتنا في الدنيا حسنة واجعلنا في الآخرة من الصالحين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وفي سوريا وفي بورما ، اللهم كن لهم عوناً ونصيراً ، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم، اللهم اربط على قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالرافضة والبعث العلويين الذين آذوا إخواننا في بلاد الشام، وعليك باليهود الذين استحلوا بلادنا ودماء إخواننا في فلسطين، وعليك بالوثنيين البوذيين الذين استحلوا دماء وأعراض إخواننا في بورما، اللهم عليك بهم, فإنهم لا يعجزونك. اللهم اشدد وطأتك عليهم واطمس على أموالهم واشد على قلوبهم وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم وسلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها يا رب العالمين، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حيّ يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|