من أسماء الله: العليم، العزيز
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد
عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من أسماء الله الحسنى (العليم)، فقد ورد هذا الاسم في غير ما آية في كتاب الله الحكيم منها قوله تعالى: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) وقال: (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) وغيرها كثير ومعناه: أي الذي أحاط علمه الظواهر والبواطن والإسرار والإعلان وبالعالم السفلي والعلوي فلا يخفى عليه شيء من الأشياء علم ما كان في الماضي وما سيكون في المستقبل أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا فعلمه سبحانه واسع قال تعالى: (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) وقال: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً)، وهو سبحانه أحاط علمه بالسرائر والمعلنات (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ) وهو سبحانه أيضاً اختص علمه بمفاتح الغيب فلا يعلمها إلا هو (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
عباد الله: إن للإيمان بهذا الاسم المبارك آثار مباركة على قلب المؤمن:
فمنها: إثبات العلم التام الكامل الشامل لله وحده.
ومنها: أن هذا الاسم: ودلالاته هي أكبر وأعظم زاجر نزل من السماء إلى الأرض وتأمل هذا المثال- وإلا فعلم الله أعلى وأجل أن نمثله فله سبحانه المثل العلى- لو فرض أن هذا الفضاء من الأرض فيه ملِك قتال للرجال إن انتهكت حرماته فهو ذو قوة وعزة وغلبة وحوله جيوشه ولو قيل: إن هذا الملك يبيت عالماً بكل ما يكون في هذه الأرض لباتوا متأدبين منصاعين لأوامره ونواهيه ؛ وهذا خالق السموات والأرض الملك الجبار العليم يخبرهم في آياته فلا تكاد تقلب ورقة واحدة من أوراق المصحف إلا وجدت فيها هذا الواعظ (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، (وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا)، (يَعْلَم السِّرّ وَأَخْفَى) فينبغي علينا جميعاً أن نعتبر بهذا الزاجر والواعظ الأعظم وأن لا ننساه لئلا نهلك أنفسنا.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ): " يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها دقيقها ولطيفها ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله حق الحياء ويتقوه حق تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أظهرت أمانة، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر". أ.هـ.
ومن الآثار: بيان قلة علمنا بالنسبة لعلم الله عز وجل ومع كثرة المعلومات التي تعلمها بنو آدم إلا أنها قليلة بالنسبة للعليم الحكيم، وقد قال الخضر لموسى عليهما الصلاة والسلام: (ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر) متفق عليه.
ومن الآثار المباركة: بيان اختصاص ربنا عز وجل بعلم الغيب ومن زعم أن أحداً يعلم الغيب غير الله سبحانه فقد كفر بالله وضل ضلالاً بعيداً.
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم: أن يكون ذل العبد لله وحده لا يلتجئ إلا إليه ولا يحتمي إلا بحماه ولا يلوذ إلا بجنابه ولا يطلب العز إلا منه (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) ، وكلما كان العبد أعظم تحقيقاً لذلك كان نيله للعزة أمكن (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)
أيها المؤمنون:
ومن أسمائه الحسنى ( العزيز والجبار ) وقد ذُكرا جميعا في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وقال تعالى: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وقال: (فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) والعزيز هو الذي له العزة بجميع معانيها كما قال تعالى: (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا).
والعزة ترجع إلى ثلاثة معاني كلها ثابتة لله عز وجل على التمام والكمال: -عزة القوة وعزة الامتناع وعزة القهر والغلبة-
فأما عزة القوة -عباد الله- فهي وصفه العظيم الذي لا تنسب إليه قوة المخلوقات وإن عظمت قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).
وأما عزة الامتناع فإنه الغني بذاته فلا يحتاج إلى أحد لا يبلغ العباد ضره فيضرونه ولا نفعه فينفعونه بل هو الضار النافع منزه سبحانه عن جميع ما لا يليق بعظمته وعزته وكبريائه ومنزه عن اتخاذ الأنداد والشركاء كما قال جل وعلا: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
وأما عزة القهر والغلبة لجميع الكائنات, فمعنى ذلك أن جميع الكائنات مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته, ونواصي المخلوقات بيده لا رآد لقضائه ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب .
عباد الله:
والعزة بمعنى القهر هي أحد معاني الجبار فهو سبحانه القاهر لكل شيء الذي دان له كل شيء وخضع له كل شيء.
ومن معاني الجبار: أنه يرجع إلى لطف الله ورحمته ورأفته فهو يجبر الكسير ويغني الفقير ويجبر المريض والمصاب بتوفيقه للصبر وتسير المعافاة له ويجبر جبراً خاصاً قلوب الخاضعين لعظمته وجلاله وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بين السجدتين ( اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني ) رواه الترمذي وصححه الألباني. والمقصود بالجبر هنا الذي حقيقته إصلاح العبد ودفع جميع المكاره والشرور .
ومن معاني الجبار أيضاً- عباد الله- العلي على كل شيء : علو قهر وعلو قدر وعلو ذات .
والجبروت لله وحده ومن تجبر من المخلوقين باء بسخط من الله واستحق وعيده قال عز وجل: (وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) وروى أحمد والترمذي -والحديث صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان يبصر بهما وأذنان يسمع بهما ولسان ينطق به فيقول: إني وُّكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد وبكل من ادعى مع الله إلهاً آخر والمصورين ).
نعوذ بالله من النار ومن سخط الجبار، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
أيها الإخوة وللإيمان بهذين الاسمين العزيز الجبار آثار على إيمان العبد :
فمنها الإيمان بأن من أسماء الله العزيز الذي لا يُغلب ولا يقهر وأنه سبحانه يعطي لمن يشاء من المسلمين شجاعة وثقة كبيرة به قال تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء ) .
ومن الآثار: أن العزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله فمن طلب العزة فليطلبه من رب العزة (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) أي من طلب العزة في الدارين فليطلبها من الله لأنه يملك الدنيا والآخرة .
ومنها: أن من أسباب العزة العفو والتواضع ففي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم ( وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ) رواه مسلم
عباد الله هذه بعض أسماء ربكم ومولاكم -العليم والعزيز والجبار- فاتقوه وآمنوا به، واعلموا أنه يعلم سركم وجهركم وأن العزة لا تطلب إلا منه سبحانه وأنه الجبار الذي يجبر قلوب المتكبرين فيهلكهم ويدمرهم ويجبر قلوب المنكسرين لجلاله وعظمته فيمن عليهم بالتوبة والنجاة من النار.
اللهم يا عالم الخفيات يا عليم بذات الصدور طهر قلوبنا من النفاق والغل والحسد والغش واجبر كسرنا وتول أمرنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم عليك بالظلمة المعتدين والكفرة الملحدين، الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم شتتّ أمرهم وفرّق كلمتهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لرضاك، واجعل عمله في رضاك، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاح العباد والبلاد، اللهم هيئ له البطانة الصالحة يا رب العالمين، اللهم أنت الله لا إله أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل غلينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا غيثا هنيئا مرئيا سحقا غدقا مجللا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين اللهم بنا من الضيق والظنك ملا نشكوه إلا إليك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا, اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|