من أسماء الله: العظيم، الكبير، العلي
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }.{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.{يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }. أما بعد:
فإنّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله : اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من أسماء الله الحسنى : العظيم , الكبير: قال تعالى: { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } قال الله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }، وقال تعالى:{ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ }، والكبير العظيم أي: الذي له الكبرياء نعتًا، والعَظمة وصفًا، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني شيئاً منهما عذَّبْته) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
ومعاني الكبرياء، والعظمة نوعان:
أحدهما: يرجع إلى صفاته سبحانه، وأن له جميع معاني العظمة والجلال، كالقوة، والعزة، وكمال القدرة، وسَعَة العلم، وكمال المجد، وغيرها من أوصاف العظمة والكبرياء.
ومن عظمته سبحانه، أن السماوات السبع، والأرضين السبع، في يده سبحانه، كخردلة في يد أحدنا، كما قال ذلك ابن عباس-رضي الله عنهما قال الله تعالى: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}،فله سبحانه وتعالى، الكبرياء، والعظمة، الوصفان اللذان لا يُقَادر قَدْرهما، ولا يَبْلغ العِباد كُنْهَهُما، وقد صحَّ في الحديث عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان يقول في ركوعه، وسجوده ( سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة).
النوع الثاني: أنه لا يستحق أحدٌ، التعظيم، والتكبير، والإجلال، والتمجيد غيره، فيجب على العباد، أن يعظموه، بقلوبهم، وألسنتهم، وأعمالهم، وذلك ببذل الجهد في معرفته، ومحبته، والذل له، والخوف منه، وإعمار اللسان بذكره، والثناء عليه، وقيام الجوارح بشكره، وعبوديته.
ومن تعظيمه سبحانه، أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر.
ومن تعظيمه وإجلاله، أن يخضع العبد لِأوامره وما شرعه وحكم به، وأن لا يعترض على شيء من مخلوقاته، أو على شيء من شرعه.
ومن تعظيمه-جل وعلا-، تعظيم ما عظَّم واحترامه، من زمان، ومكان، وأشخاص، وأعمال، والعبادة روحها، تعظيم الباري وتكبيره، ولهذا شُرعت التكبيرات في الصلاة، في افتتاحها، وتنقلاتها، ليستحضر العبد معنى تعظيمه في هذه العبادة، التي هي أجلُّ العبادات، بل إن التكبير مصاحب للمسلم في عبادات عديدة، وطاعات متنوِّعة، فالمسلم يكبّر الله، عند ما يُكْمِل عِدَّة الصِّيام، كما قال الله تعالى: { وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، ويكبِّروا الله في الحج، قال الله تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}، وكذلك يصْحَب المسلم في تكبيراته المطلقة، كلَّ وقت، وكلَّ حين وبهذا يتبين مكانة التكبير، وجلالة قدره، وعِظَم شأنه من الدين.
والتكبير، يراد به أن يكون الله عند العبد، أكبر من كل شيء وكما تقدم، التكبير معناه: التعظيم، لكن الكبرياء أكمل من العظمة؛ لأنه يتضَمَّنُها، ويزيد عليها في المعنى، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: "وفي قوله الله أكبر، إثبات عظمته، فإن الكبرياء تتضمن العظمة، ولكن الكبرياء أكمل، ولهذا جاءت الألفاظ المشروعة في الصلاة والآذان، بقول: الله أكبر، فإن ذلك أكمل من قول: الله أعظم، كما ثبت في الصحيح عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: يقول الله تعالى: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما عذبته)فجعل العظمة كالإزار، والكبرياء كالرداء، ومعلوم أن الرداء أشرف، فلما كان التكبير أبلغ من التعظيم، صرَّح بلفظه وتضمَّن ذلك التعظيم" انتهى كلامه رحمه الله.
وههنا أمرٌ ينبغي التنبُّه له، وعدم إغفاله، وهو أن المسلم إذا اعتقد وآمن بأن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء، وأن كل شيء مهما كبر، يَصْغُر عند كبرياء الله وعظمته، عَلِم من خلال ذلك عِلْم اليقين، أن كبرياء الرب، وعظمتَه، وجلالَه، وجمالَه، وسائرَ أوصافه، ونعوتِه، أمرٌ لا يمكن أن تُحيطَ به العقول، أو تتصَوَّره الأفهام، أو تُدْركَه الأبصار والأفكار، فالله أعظم وأكبر من ذلك، {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً}.
وأمر آخر، ألا وهو، أن من علم مدلول هذين الاسمين، ذلَّ لربه، وانكسر بين يديه، وصرف له أنواع العبادة، واعتقد أنه مستحق لها دون سواه، وعرف أن كلَّ مشرك، لم يَقْدر ربه العظيم حقَّ قدره، كما قال الله تعالى: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
فسبحان الله! أين ذهبت عقول هؤلاء المشركين؟ حين صرفوا ذلَّهم، وخضوعهم، وانكسارهم، ورجاءهم وخوفهم، وحبهم وطمعهم، إلى مخلوقات ضئيلة، وكائنات ذليلة، لا تملك لنفسها شيئاً من النَّفْع والضُّر، فضلاً عن أن تمْلِكَه لغيرها، وتركوا الخضوع والذل للرب العظيم، والكبير المتعال، والخالق الجليل تعالى الله عما يصفون، وسبحان الله عما يشركون، وهو وحده سبحانه المستحق للتعظيم والإجلال، والتألُّه والخضوع والذل، وهذا خالص حقه، فمِن أقبح الظلم، أن يُعطى حقُّه لغيره، أو يشرك بينَه وبينَه فِيه، ومن اتخذ الشركاء والأنداد، ما قدر الله حق قدره، ولا عظَّمه حق تعظيمه، سبحانه وتعالى الذي عنت له الوجوه، وخشعت له الأصوات، ووجِلَت القلوب من خشيته، وذلَّت له الرقاب، تبارك الله رب العالمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبـــــــــــــــــة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
عباد الله: ومن أسمائه الحسنى: العلي قال تعالى:{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}، قال الله تعالى:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }، وقال تعالى: { فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } .
وذلك دال على أنَّ جميع معاني العلو ثابته لله من كل وجه ، فله علو الذات ، فإنه فوق المخلوقات ، وعلى العرش استوى أي علا وارتفع . وله علو القدر وهو علو صفاته وعظمتها فلا يماثله صفة مخلوق ، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، قال تعالى : { ولا يحيطون به علما }، وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته، وله علو القهر، فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم ، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع ، وما لم يشأ لم يكن ، فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأه الله لم يقدروا ، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه ، وذلك لكمال اقتداره ، ونفوذ مشيئته ، وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفهم شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم وأذلّ الشرك والمشركين اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم انصر كتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين اللهم احفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين, اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|