من أسماء الله : الوارث والسيد
الحمد لله له الأسماء الحسنى والصفات العلى أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً مزيداً أما بعد :
معاشر المسلمين اتقوا الله ربكم وراقبوه وآمنوا به ووحدوه وتعلموا من أسماء ربكم الحسنى ما تدعونه بها فمن أسمائه سبحانه ( الوارث )
وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع كلها بصيغة الجمع وهى قوله تعالى : ((وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ)) وقوله تعالى : (( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ))الأنبياء : 89 ، وقوله تعالى : ((وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)) القصص : 58 0
ومعنى الوارث : أي الباقي بعد فناء الخلق ، فكل ما سواه زائل ، وكل ما عداه فانِ ، وهو – جل وعلا – الحي الذي لا يموت ، الباقي الذي لا يزول ، إليه المرجع والمنتهى ، وإليه المآل والمصير ، يُفني – تبارك وتعالى – الُملاّك وأملاكهم ويرث – تبارك وتعالى – الخلق أجمعين ، لأنه باق وهم فانون ، ودائم وهم زائلون
فقوله – سبحانه –: (وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) ، أي : نرث الأرض ومن عليها بأن نميت جميعهم فلا يبقى حي سوانا إذا جاء ذلك الأجل وقال – عز وجل –: ((إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)) مريم : 40 ، وفى هذا تنبيه لمن ألهته الدنيا وشغلته عما خلق لأجله وأوجد لتحقيقه ، أن الدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها ستذهب عن أهلها ويذهبون عنها ، وسيرث الله – عز وجل – الأرض ومن عليها ويرجعهم إليه فيجازيهم بما عملوا فيها 0
وفى موضع آخر من القرآن الكريم توعد – سبحانه – كفار قريش الذين من الله عليهم بأن مكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا – سبحانه – وأبوا قبول دعوة الرسول – صلى الله عليه وسلم – والإيمان بما جاء به فتوعدهم – عز وجل – بما فعله بالأمم الماضية حيث قال : (( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ )) القصص : 58 ، أي أنه – سبحانه – الوارث للعباد حيث يميتهم – سبحانه – ويرجعهم إليه ، ويرجع إليه جميع ما متعهم به من النعم ثم يعيدهم إليه ليجازي كلاً منهم بعمله ، وفى ذلك اليوم ينكشف للناس الغطاء وتذهب أوهام من تعلقت قلوبهم بالدنيا وظنوا أنهم باقون فيها ، وأن ملكهم فيها سيبقى وأنهم إلى الله لا يرجعون ، فيوقنون حينئذ أن المُلك لله الواحد القهار ، وأنه – سبحانه – الوارث لديارهم وأموالهم . وقد حث الله عباده المؤمنين بالنفقة في سبيله من المال الذي من عليهم به وجعلهم مستخلفين فيه مذكراً لهم بأنه الوارث سبحانه : ((آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)) إلى أن قال : ((وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )) الحديد : 7 ، 10 0
روى مسلم فى صحيحه عن مطرف عن أبيه – رضي الله عنه – قال : أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يقرأ ((أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)) قال : " يقول ابن آدم : مالي مالي ، قال : وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت "0
ثم إن الله – عز وجل – هو المالك للسموات والأرض ، والمَلِك لكل شيء ، والأرض له – سبحانه – يورثها من يشاء من عباده ، قال تعالى : ((قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) .
والجنة دار كرامته يورثها من يشاء من عباده كما قال تعالى في غير ما آية : ((وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )) الزخرف : 72 ، وكتابه – عز وجل – هو كتاب الهداية والعز والفلاح يورثه – سبحانه – من اصطفاهم لمنته واجتباهم لكرامته ، قال تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)) فاطر : 32 ، فكلهم قد اصطفاهم الله لوراثة هذا الكتاب ، وإن تفاوتت مراتبهم وتمايزت أحوالهم ، فلكل منهم قسط ونصيب من وراثته 0
ثم إن التوسل لله – عز وجل – بهذا الاسم داخل في عموم قوله: ((وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )) الأعراف : 180 ، ولا سيما بمراعاة المناسبة بين المطلوب والاسم المذكور كما في دعاء نبي الله زكريا – عليه السلام – قال الله تعالى : ((وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا له ...)) ، وفى الآية الأخرى قال : ((وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً)) مريم : 5 ، 6 ، والإرث المذكور هنا إنما هو إرث علم ونبوة ودعوة إلى الله – عز وجل – لا إرث مال ، وقد توسل – عليه السلام – في هذا السياق باسم الله ( الوارث ) مراعاة لمناسبة المسألة والمطلوب ، وقد استجاب الله – عز وجل – دعاء نبيه زكريا – عليه السلام – فجعل امرأته ولوداً بعد أن كانت عقيماً ورزقه ولداً ذكراً صالحاً سماه يحيى وجعله نبياً من الأنبياء ورث النبوة من بعد أبيه 0
ومثل هذا الإرث المبارك ما ورد في قوله تعالى : ((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)) النمل : 16 ، أي : ورث سليمان أباه داوود النبوة .
والأمر لله من قبل ومن بعد ، وهو المان وحده وإليه المرجع والمآب وهو – تبارك وتعالى – خير الوارثين. اللهم وفقنا للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك صلى الله عليم وسلم.
الخطــــــــــــــــــــــــــــــــــبة الثانية
الحمد لله المحي الميت الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل عليه وعلى آله وصحابته الكرام أما بعد:
عباد الله ومن أسماء الله الحسنى (السيّد) ، وهو اسم لم يذكر في القرآن الكريم وإنما ذكر معناه في مثل ما جاء عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أنه قال في معنى قول الله تعالى : (( قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً )) ، قال : إلاها سيدا . وقال في قوله تعالى : (( اللَّهُ الصَّمَدُ ))، أنه السيد الذي قد كمل سؤدده , روى أبو داوود بسند جيد عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : أنت سيدنا ، فقال : " السيد الله تبارك وتعالى " ، قلنا : وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا ، فقال : " قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان".
ومراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " السيد الله " أي أن السؤدد حقيقة لله عز وجل ، فهو المالك المولى الرب ، والخلق كلهم عبيد له ، مملوكون مقهورون ليس بهم غنية عنه في بدء أمرهم ولا غنى لهم عنه طرفة عين والأمر كله إليه وحده ، والخلق كلهم طوع تدبيره وتحت تصرفه ، يعطى ويمنع ، ويخفض ويرفع ، ويعز ويذل ، ويحيى ويميت ، ويأمر وينهى ، ويقبض ويبسط ، ويكرم ويهين ، ويهدى ويضل ، ويضحك ويبكى ، ويغنى ويفقر ، الأمر أمره ، والملك ملكه ، والعبيد عبيده ، فهو وحده تبارك وتعالى الذي تحق له السيادة ملكا وخلقا وتدبيرا وذلا وخضوعا وانكسارا . فهو سبحانه السيد الذي له التصريف والتدبير في هذا الكون لا ند له 0
وهو سبحانه السيد الذي ينبغي أن تصرف له وحده الطاعة والذل والخضوع لا شريك له ، فكما أنه سبحانه السيد المتصرف في الخلق لا ند له ، فكذلك يجب أن يكون السيد المعبود لا شريك له ، كما قال تعالى : (( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )) قال ابن جرير الطبري – رحمه الله تعالى – في تفسير هذه الآية: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم : قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان الداعين إلى عبادة الأصنام واتباع خطوات الشيطان (( أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً )) يقول : أسوى الله أطلب سيدا يسودني وهو رب كل شيء؟ يقول : وهو سيد كل شيء دونه و مدبره ومصلحه؟
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداء الدين وأهلك الزنادقة والكافرين، اللهم مَنْ أرادنا وأراد أمننا وإيماننا وعلماءنا وشبابنا ونساءنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين، واجعل اللهم ولايتنا فيمَنْ خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين اللهم اجمع كلمتهم على الحق وردهم إلى دينك رداً جميلاً، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع كريم مجيب الدعوات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } .
|