تنبيه الأنام بالآيات العظام 2
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن
يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا
عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسَلَّمَ تسلِيمًا كثيرًا إلى يوم
الدين أما بعد :
اتقوا الله تعالى، وتعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما
بطن،
أيها الإخوة: تقدم معنا في خطبة مضت عن خمس علامات من
علامات الساعة الكبرى وفي هذه الخطبة نكمل الحديث عن بقية العلامات
فالسادس والسابع والثامن من علامات الساعة الكبرى: حدوث
ثلاثة خسوفات خسف في المشرق، وخسف في
المغرب، وخسف في جزيرة العرب. ولما قالت أم سلمة: يا رسول الله، أيخسف بالأرض
وفيها الصالحون؟! قال لها: "إذا أكثر
أهلها الخبث".
وهذه الخسفات عظيمة
وعامة لأماكن كثيرة من الأرض في مشارقها ومغاربها وفي جزيرة العرب؛ والخسوف هو
انشقاق الأرض وغياب ما فوقها في داخلها، وقد ذكر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-
وقوع خسفات كبرى، يفزع الناس لها، ويكون لها تأثير عظيم. كما ثبت في صحيح مسلم.
تاسع أشراط الساعة: ظهور الدخان، وهذا الدخان يظهر في
السماء بيّنًا واضحًا يراه كل أحد، قال -تعالى-: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي
السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِينٍ)[الدخان:10]. فهو يَغشى الناس ويَعمُّهم، وعند ذلك
يقال لهم: (هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) تقريعًا وتوبيخًا.
وعند الطبراني وابن جرير، عنه -عليه الصلاة والسلام-:
"إن ربكم أنذركم ثلاثًا: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ
حتى يخرج من كل مسمع منه".
وأما عاشر أشراط الساعة الكبرى، وهي الخاتمة وآخر الأمارات:
فهي نار تخرج من اليمن، وتسوق الناس إلى أرض المحشر، وتجمعهم فيها؛ ففي
صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "نار تحشر الناس من
المشرق إلى المغرب". وروى الإمام
أحمد مرفوعًا: "ستخرج نار قبل يوم القيامة من بحر حضرموت، أو من حضرموت، تحشر
الناس"، قالوا: فبم تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "عليكم بالشام".
وجاء في وصفها أنها تطردهم إلى المحشر.
وعند ظهور هذه النار العظيمة ينقسم الناس إلى ثلاثة أفواج:
فوج راغبون طاعمون كاسون راكبون؛ وفوج يمشون تارة ويركبون أخرى يعتقبون على البعير
الواحد، اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، بل وعشرة على بعير، من قلة الظهر يومئذ؛
والفوج الثالث تحشرهم النار وتحيط بهم من ورائهم وتسوقهم من كل جانب إلى أرض
المحشر، ومن تخلَّف أكلته النار.
فقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يحشر الناس على ثلاثة
طرائق: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة
على بعير؛ ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح
معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا".
عباد الله: يجب التصديق الجازم بهذه العلامات واليقين
بوقوعها، والإيمان بكل ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن ذلك واقعٌ لا
محالة، ولا يكمل إيمان عبد حتى يؤمن بذلك؛ إذ الإيمان بها ركن من أركان الإيمان.
وخير ما يعمله
المسلم المؤمن بهذه العلامات أن يحسن الاستعداد والمنافسة في ميادين الأعمال
الصالحة، مع التوبة الخالصة، والعزيمة الصادقة؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما
أخبر بها ابتدأ بقوله قبل ذكرها: "بادروا بالأعمال ستًّا"، فاعملوا
صالحًا؛ لتنجوا في هذا اليوم العظيم؛ يوم يقوم الناس لرب العالمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني
وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم
ولجميع المسلمين إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه
كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا
محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد
عباد الله فمعرفة العبد لعلامات الساعة تثمر في قلب المؤمن
فوائد وثمرات
أولها : سعة رحمة الله -تعالى-، وأنه لم يفاجئ عباده بقيام
الساعة وهو قادر،
ولكن من رأفته بهم ورحمته وتذكيراً لهم حتى يقبلوا عليه
ويتوبوا إليه ويستعدوا. جعل هناك أشراطاً تحدث قبل قيامها. قال الحافظ ابن حجر
-رحمه الله-: "والحكمة في تقدم الأشراط -أشراط الساعة- "إيقاظ الغافلين،
وحثهم على التوبة والاستعداد.
ومن الفوائد التربوية لأشراط الساعة: امتحان النفوس في
الإيمان بالغيب، وهذا واضح فوقت الساعة خفي كما قال الله تعالى [يَسْأَلُونَكَ
عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ
يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ] لا
يعلمها ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
ومن فوائد الإخبار بأشراط الساعة: تثبيت الإيمان في القلب؛
لأن كل شر إذا تحقق قال المؤمنون[هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا]
ومنها أن أشراط الساعة تربينا على ترك المنكرات، والبعد عن
الكبائر والمعاصي. أليس منها ظهور الخسف
والمسخ والقذف، قذف من السماء، ومسخ بتغيير الصورة، وخسف بذهاب الأرض قال عليه
السلام يكون في أخر الزمان قذف ومسخ وخسف وقذف, قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا
الصالحون؟ قال : نعم إذا كثر الخبث . رواه الترمذي
وقد أخبر عن أسباب الخسف والقذف والمسخ فقال( إذا ظهرت
القينات المغنيات، والراقصات - والمعازف وشربت الخمور)رواه الترمذي وكلاهما صحيح .
ومنها: أن نقوم على أهلينا، وزوجاتنا، وبناتنا، وأخواتنا
بأمرهن بالعفاف، والستر، والحجاب، والحشمة؛ لأنه ذكر لنا من أشراط الساعة وأنهن من
أهل النار ( ونساء كاسيات، عاريات، مميلات، مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة،
لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها ) رواه مسلم .
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام،
أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعذنا وذرياتنا من عذاب جهنم ومن عذاب
القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال، اللهم أصلح لنا ديننا
الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها
معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم حببّ
إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من
الراشدين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات
الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات، سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا
يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان
تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|