التوضيح والبيان في بعض فوائد شجرة الإيمان
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين
كفروا بربهم يعدلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزَّه عن الصاحبة
والولد، وسبحان الله وتعالى عما يصفون، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه وخليلُه
الأمين المأمون، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن
تبِعَهم بإحسانٍ ومَنْ هم بهديه مُستمسِكون، أما بعد:
فاتقوا
الله تعالى .
عباد
الله: كم للإيمان الصحيح من الفوائد والثمرات العاجلة والآجلة، في القلب والبدن
والراحة، والحياة الطيبة، والدنيا والآخرة. وكم لهذه الشجرة الإيمانية من الثمار
اليانعة، والجني اللذيذ، والأكل الدائم، والخير المستمر، أمور لا تحصى، وفوائد لا
تستقصى. ومجملها أن خيرات الدنيا والآخرة، ودفع الشرور كلها من ثمرات هذه الشجرة.
وذلك
أن شجرة الايمان هذه إذا ثبتت وقويت أصولها، وتفرعت فروعها، وزهت أغصانها، وأينعت
أفنانها - عادت على صاحبها وعلى غيره، بكل خير عاجل وآجل.
فمن
أعظم ثمار الايمان أنه ملجأ المؤمنين في كل ما يلم بهم من سرور وحزن وخوف وأمن
وطاعة ومعصية وغير ذلك من الأمور التي لا بد لكل أحد منها.
فعند
المحاب والسرور، يلجأون إلى الإيمان فيحمدون الله، ويثنون عليه، ويستعملون النعم
فيما يحب المنعم.
وعند
المكاره والأحزان يلجأون إلى الإيمان من جهات عديدة يتسلون بإيمانهم وحلاوته،
ويتسلون بما يترتب على ذلك من الثواب، ويقابلون الأحزان والقلق براحة القلب،
والرجوع إلى الحياة الطيبة المقاومة للأحزان والأتراح.
ويلجأون
إلى الإيمان عند الخوف فيطمئنون إليه، ويزيدهم إيمانا وثباتا، وقوة وشجاعة ويضمحل
الخوف الذي أصابهم. كما قال تعالى عن خيار الخلق: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ
إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا
بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} لقد اضمحل الخوف من قلوب هؤلاء الأخيار وخلفه
قوة الإيمان وحلاوته، وقوة التوكل على الله، والثقة بوعده.
ويلجأون
إلى الإيمان عند الأمن فلا يبطرهم، ولا يحدث لهم الكبرياء بل يتواضعون، ويعلمون
أنه من الله، ومن فضله وتيسيره. فيشكرون الذي أنعم بالسبب والمسبب الأمن وأسبابه.
ويعلمون أنه إذا حصل لهم ظفر بالأعداء وعز، أنه بحول الله وقوته وفضله، لا بحولهم
وقوتهم.
ويلجأون
إلى الإيمان عند الطاعة والتوفيق للأعمال الصالحة، فيعترفون بنعمة الله عليهم بها،
وأن نعمته عليهم فيها أعظم من نعم العافية والرزق. وكذلك يحرصون على تكميلها، وعمل
كل سبب لقبولها، وعدم ردها أو نقصها. ويسألون الذي تفضل عليهم بالتوفيق لها أن يتم
عليهم نعمته بقبولها، والذي تفضل عليهم بحصول أصلها أن يتمم لهم منها ما انتقصوه
منها.
ويلجأون
إلى الإيمان إذا ابتلوا بشيء من المعاصي بالمبادرة إلى التوبة منها، وعمل ما
يقدرون عليه من الحسنات لجبر نقصها.
قال
تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}.
فالمؤمنون
في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم ملجؤهم إلى الإيمان، ومفزعهم إلى تحقيقه، ودفع ما
ينافيه ويضاده. وذلك من فضل الله عليه، ومنه.
ومنها:
أن الإيمان الصحيح يمنع العبد من الوقوع في الموبقات المهلكة.
كما
ثبت في الصحيح - عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يزني الزاني - حين
يزني - وهو مؤمن ولا يسرق السارق - حين يسرق - وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر - حين
يشرب - وهو مؤمن» الحديث.
ومن
وقعت منه فإنه لضعف إيمانه، وذهاب نوره، وزوال الحياء ممن يراه حيث نهاه. وهذا
معروف مشاهد.
والإيمان
الصادق الصحيح، يصحبه الحياء من الله، والحب له، والرجاء القوي لثوابه، والخوف من
عقابه، والنور الذي ينافي الظلمة. وهذه الأمور - التي هي من مكملات الإيمان - لا
ريب أنها تأمر صاحبها بكل خير، وتزجره عن كل قبيح.
فأخبر؛
أن الإيمان إذا صحبه - عند وجود أسباب هذه الفواحش -؛ فإن نور إيمانه يمنعه من
الوقوع فيها؛ فإن النور الذي يصحب الإيمان الصادق، ووجود حلاوة الإيمان، والحياء
من الله - الذي هو من أعظم شعب الإيمان، بلا شك - يمنع من مواقعة هذه الفواحش.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من
الآياتِ والذكرِ الحكيم، ونفعَنا بهَديِ سيِّد المُرسَلين وقَولِه القَويم، أقولُ
هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم وللمُسلمين، فاستغفِرُوه، إنه هو الغفورُ
الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا
إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله النبي
الأمين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء المرسلين وآله وصحبه
أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:
ومن
فوائد الإيمان الصحيح: أن الإيمان يقطع الشكوك التي تعرض لكثير من الناس فتضر
بدينهم، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} أي: دفع الإيمان الصحيح الذي معهم الريب
والشك الموجود، وأزاله بالكلية، وقاوم الشكوك التي تلقيها شياطين الإنس والجن،
والنفوس الأمارة بالسوء. فليس لهذه العلل المهلكة دواء إلا تحقيق الإيمان.
ولهذا
ثبت في الصحيحين - من حديث أبي هريرة - أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا
يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك،
فليقل: آمنت بالله ولينته، وليتعوذ بالله من الشيطان» .
فذكر
صلى الله عليه وسلم، هذا الدواء النافع، لهذا الداء المهلك، وهي ثلاثة أشياء،
الانتهاء عن هذه الوساوس الشيطانية، والاستعاذة من شر من ألقاها وشبه بها، ليضل
بها العباد، والاعتصام بعصمة الإيمان الصحيح الذي من اعتصم به كان من الآمنين.
وذلك؛
لأن الباطل يتضح بطلانه بأمور كثيرة أعظمها: العلم أنه مناف للحق، وكل ما ناقض
الحق فهو باطل، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ
على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم إنا نسألُك الجنَّة وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ أو عملٍ،
ونعوذُ بك من النارِ وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ أو عملٍ برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم طهِّر قلوبَنا مِن النِّفاق، وأعمالَنا مِن الرِّياء،
وأعيُننَا مِن الخيانة يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أعِنَّا على ذِكرِك وشُكرِك
وحُسن عبادتِك، اللهم أعِنَّا على ذِكرِك وشُكرِك وحُسن عبادتِك يا رب العالمين.
اللهم لا تكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تُحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لهُداك،
واجعَل عملَه في رِضاك، وأعِنه على كل خيرٍ يا رب العالمين، وسدِّد آراءَه، اللهم
وفِّقه ووفِّق بِطانتَه لما تُحبُّ وترضَى برحمتِك يا أرحم الراحمين، اللهم ارزُقه
الصحةَ والعافِيةَ، إنك على كل شيءٍ قدير. اللهم احفَظ بلادَنا، اللهم احفَظ
بلادَنا وحُدودَنا مِن كل شرٍّ ومكرُوهٍ يا رب العالمين، اللهم عليك يا ذا الجلال
والإكرام بمَن كادَ للإسلام والمُسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين. ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ
على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |