صَلِّ صَلَاةَ مودِّع
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من
شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا
هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً
عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى،
عَنْ
أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِظْني وَأَوْجِزْ.
فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مودِّع، وَلَا تَكَلم
بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غداً، وأجمع الإياس مما في أيدي الناس" رواه
أحمد وابن ماجه وهو حديث حسن.
هذه
الوصايا الثلاث يا لها من وصايا، إذا أخذ بها العبد: تمت أموره وأفلح.
فالوصية
الأولى: تتضمن تكميل الصلاة، والاجتهاد في إيقاعها على أحسن الأحوال. وذلك بأن
يحاسب نفسه على كل صلاة يصليها، وأنه سيتم جميع ما فيها: من واجب، وفروض، وسنة،
وأن يتحقق بمقام الإحسان الذي هو أعلى المقامات. وذلك بأن يقوم إليها مستحضراً
وقوفه بين يدي ربه، وأنه يناجيه بما يقوله، من قراءة وذكر ودعاء ويخضع له في قيامه
وركوعه، وسجوده وخفضه ورفعه.
ويعينه
على هذا المقصد الجليل: توطين نفسه على ذلك من غير تردد ولا كسل قلبي، ويستحضر في
كل صلاة أنها صلاة مودِّع، كأنه لا يصلي غيرها.
ومعلوم
أن المودع، يجتهد اجتهاداً يبذل فيه كل وسعه. ولا يزال مستصحباً لهذه المعاني
النافعة، والأسباب القوية، حتى يسهل عليه الأمر، ويتعود ذلك.
والصلاة
على هذا الوجه: تنهى صاحبها عن كل خلق رذيل، وتحثه على كل خلق جميل؛ لما تؤثره في
نفسه من زيادة الإيمان، ونور القلب وسروره، ورغبته التامة في الخير.
{اتْلُ
مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مَا تَصْنَعُونَ} . {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} فخص الصلاة بالذكر لفضلها وشرفها، وآثارها الجميلة، وهي {إِنَّ الصَّلاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}
والفحشاء:
كل ما استعظم واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس. والمنكر: كل معصية تنكرها
العقول والفطر.
ووجه
كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها
وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في
الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، مداومتها والمحافظة عليها على هذا
الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها. وثَمَّ في الصلاة
مقصود أعظم من هذا وأكبر، وهو ما اشتملت عليه من ذكر الله، بالقلب واللسان والبدن.
فإن الله تعالى، إنما خلق الخلق لعبادته، وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة، وفيها من
عبوديات الجوارح كلها، ما ليس في غيرها، ولهذا قال: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من
الآياتِ والذكرِ الحكيم، ونفعَنا بهَديِ سيِّد المُرسَلين وقَولِه القَويم، أقولُ
هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم وللمُسلمين، فاستغفِرُوه، إنه هو الغفورُ
الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا
إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله النبي
الأمين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء المرسلين وآله وصحبه
أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:
وأما
الوصية الثانية: فهي حفظ اللسان ومراقبته؛ فإن حفظ اللسان عليه المدار، وهو مِلاك
أمر العبد. فمتى ملك العبد لسانه ملك جميع أعضائه. ومتى ملكه لسانه فلم يصنه عن
الكلام الضار، فإن أمره يختل في دينه ودنياه. فلا يتكلم بكلام، إلا قد عرف نفعه في
دينه أو دنياه. وكل كلام يحتمل أن يكون فيه انتقاد أو اعتذار فليدعه، فإنه إذا
تكلم به ملكه الكلام، وصار أسيراً له. وربما أحدث عليه ضرراً لا يتمكن من تلافيه.
وأما
الوصية الثالثة: فهي توطين النفس على التعلق بالله وحده، في أمور معاشه ومعاده،
فلا يسأل إلا الله، ولا يطمع إلا في فضله. ويوطن نفسه على اليأس مما في أيدي
الناس؛ فإن اليأس عصمة. ومن أيس من شيء استغنى عنه. فكما أنه لا يسأل بلسانه إلا
الله، فلا يعلق قلبه إلا بالله. فيبقى عبداً لله حقيقة، سالماً من عبودية الخلق.
قد تحرر من رقِّهم، واكتسب بذلك العز والشرف؛ فإن المتعلق بالخلق يكتسب الذل
والسقوط بحسب تعلقه بهم. والله أعلم.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ
على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم إنا نسألُك الجنَّة وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ أو عملٍ،
ونعوذُ بك من النارِ وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ أو عملٍ برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم طهِّر قلوبَنا مِن النِّفاق، وأعمالَنا مِن الرِّياء، وأعيُننَا
مِن الخيانة يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أعِنَّا على ذِكرِك وشُكرِك وحُسن
عبادتِك، اللهم أعِنَّا على ذِكرِك وشُكرِك وحُسن عبادتِك يا رب العالمين. اللهم
لا تكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تُحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لهُداك،
واجعَل عملَه في رِضاك، وأعِنه على كل خيرٍ يا رب العالمين، وسدِّد آراءَه، اللهم
وفِّقه ووفِّق بِطانتَه لما تُحبُّ وترضَى برحمتِك يا أرحم الراحمين، اللهم ارزُقه
الصحةَ والعافِيةَ، إنك على كل شيءٍ قدير. اللهم احفَظ بلادَنا، اللهم احفَظ
بلادَنا وحُدودَنا مِن كل شرٍّ ومكرُوهٍ يا رب العالمين، اللهم عليك يا ذا الجلال
والإكرام بمَن كادَ للإسلام والمُسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين. ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ
على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |