آداب الخلاء
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى،
والشكر له على ما أوْلى من نعمٍ سائغةٍ وأسدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله وسلم عليه
وعلى آله نجوم المهتدين، ورجوم المعتدين، ورضي الله عن صحابته الأبرار الذي قاموا
بحقِّ صحبته، وحفظ شريعته، وتبليغ دينه إلى سائر أمته، وكانوا خير أمة أخرجت
للناس.
أمَّا بعدُ: فأوصِيكمْ - عِبادَ اللهِ - ونفسِي بتقْوَى اللهِ
تعالَى؛ فتقوى الله خير زاد للنجاة يوم المعاد.
أيها الإخوة: لقد جاء في السُّنّة الغَرَّاء
بيانُ الأدب الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمُ عند دخولِه الخلاءَ وحال قضائه
للحاجة وعند خروجه منه، وهي آدابٌ عديدة تدلُّ على كمال هذه الشريعة المباركة
وتمامها، وما مِن ريبٍ في أنَّ المسلمَ يفرحُ غايةَ الفرح بتلك الآداب لِما فيها
من كمال الحسن في التطهير والنظافة والتنقية والتزكية، بل إنَّها مفخرةٌ للمسلم
وأكْرِم بها من مفخرة.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن سَلمان الفارسي
رضي الله عنه قال: "قيل له: قد علَّمكم نبيّكم كلَّ شيءٍ حتى الخِراءَةَ [أي:
حتى كيفية قضاء الحاجة] فقال: أجَل، لقد نهانا أن نستقبلَ القبلةَ لغائطٍ أو بول،
أو أن نستَنجِيَ باليمين، أو أن نستنجِيَ بأقلَّ من ثلاثةِ أحجارٍ، أو أن
نستَنجِيَ برَجيعٍ أو عظمٍ" .
وفيما يلي وقفةٌ في بيان شيء من هذه الآداب.
يُستحبُّ أوَّلاً للمسلم عند دخول الخلاء أن
يقول: بسم الله اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ؛ لِما
ثبت في الصحيحين وغيرهما .
ومن الأدب إذا كان في سفرٍ وذهب لقضاء الحاجة
أن ينطلق حتى يَتَوَارى عن أصحابه؛ لِما رواه أبو داود عن المغيرة بن شعبة:
"أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البَرازَ انطلق حتى لا
يراه أحد" .
ومن السُّنّة أن لا يرفع ثوبَه حتى يدنو من
الأرض؛ لِما روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما: " أنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم كان إذا أراد حاجة لا يرفعُ ثوبَه حتى يدنو من الأرض" .
ومن السُّنَّة أن يستترَ عن الناس؛ لِما في
صحيح مسلم عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: "كان أحبَّ ما استَتَر به
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لحاجَته هَدَفٌ أو حائِشُ نَخل" .
ومن الأدب ألاَّ يبول في طريق الناس، ففي صحيح
مسلم عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتَّقوا
اللَّعَّانَيْن، قالوا: وما اللَّعَّانان يا رسولَ الله؟ قال: الَّذي يَتَخَلَّى
في طَريق النَّاس أو ظِلِّهم" .
وروى أبو داود في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقوا الملاعِنَ الثلاثة:
البَرازَ في الموارد، وقارعةَ الطريق، والظِّلَّ" . والمواردُ: طرقُ الماء.
حديث حسن
ومن آداب قضاء الحاجة ألاَّ يستقبلَ المسلمُ
القبلةَ بغائطٍ ولا بولٍ احتراماً لها، ولا يستَدْبِرْها، قال النبي صلى الله عليه
وسلم قال: ((إذا أتيتُم الغائطَ، فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا
أو غرِّبوا) متفق عليه .
وهذا التحريم في الفضاء فيحرم على المكلف عند
قضاء الحاجة في الفضاء أن يستقبل القبلة أو يستدبرها , وأما داخل البنيان فالأمر
أيسر .
ومن الأدب إذا استجمر المسلمُ بعد قضائه الحاجة
ألاَّ يستجمر بأقلَّ من ثلاث؛ لِما في ذلك من تمام الإنقاء، ولا بأس أن يستعمل ما
يقوم مقام الأحجار كالمناديل ونحوها، وله أن يستنجي بالماء وهو أفضل، ففي الصحيحين
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
خرج لحاجته أجيء أنا وغلام معنا إدواةٌ من ماء، يعني يستنجي به" .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي
وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي
هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
وعلى المسلم عند قضاء الحاجة أن يحذر من رَشاش
البول أن يُصيب بدنَه أو ثيابَه؛ لِما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قَبْرَين، فقال: "أمَا إنَّهما
ليُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كَبير، أمَّا أحدُهما فكان يمشي بالنميمة، وأمَّا
الآخر فكان لا يستترُ من بوله"، وفي رواية: "لا يَسْتَنْزه عن البول أو
من البول" .
ولا يجوز للمسلم أن يتكلَّم وقت قضائه الحاجة،
ولا يشتغل بشيء من الذِّكر والدعاء، ففي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
"أنَّ رجلاً مرَّ ورسول الله يبول، فسلَّم عليه، فلَم يردَّ عليه"
. وفي الحديث دلالةٌ على أنَّ المسلمَ لا
ينبغي له أن يتكلَّم وقت قضاء الحاجة؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَم
يردَّ عليه بشيء، ولا ينبغي له كذلك أن يشتغل بشيء من الذِّكر والدعاء، والسلامُ
ذِكرٌ ودعاء، والنبيِّ صلى الله عليه وسلم لَم يردَّ السلام على هذا المسلِّم.
فهذه جملةٌ من الآداب العظيمة لقضاء الحاجة ندب
إليها الإسلامُ وحثَّت عليها الشريعة، وهي تدلَّ على كمال هذا الدِّين وحسنه
وجماله.
ثمَّ إنَّ المسلمَ يُستحبُّ له إذا خرج من
الخلاء أن يقول: غفرانك؛ لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عائشة رضي الله عنها
قالت: " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مِنَ الخَلاَءِ
قَالَ: غُفْرَانَكَ ".
وقوله: "غُفْرَانَكَ" في هذا المقام
بهذا يتبين أن المناسبة، أن الإنسان لما تخفف من أذية الجسم تذكر أذية الإثم، فدعا
الله أن يخفف أذية الإثم كما منَّ عليه بتخفيف أذية الجسم، ".
اللَّهمَّ اغفر ذنوبنا وأعنَّا على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم
إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب
علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم احفظنا بالإسلام
قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء و لا
حاسدين ، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك
. اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا واختم بالصالحات أعمالنا وبلغنا فيما يرضيك
آمالنا. اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، واحفظها من كل شر وفتنة يا رب
العالمين، اللَّهُمَّ رد كيد الكائدين في نحورهم وكفنا شرورهم إنك على كل شيء
قدير، اللَّهُمَّ احفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا ولا تسلط علينا
ذنوبنا ما لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين. اللهم احفظ جنودنا ورجال
أمننا بحفظك، ومدهم بعونك وتوفيقك، وألف بين قلوبهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم،
اللهم ارحم من قتلوا منهم وتقبلهم في الشهداء يا أكرم الأكرمين، اللهم اجعل ما قدموه
لدينهم ووطنهم وأمتهم في ميزان حسناتهم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم من أرادنا
وأراد ديننا وبلادنا وأمننا وأخلاقنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في
نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين. اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشبعان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |