السكينة
الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون. لا يُسأل
عما يفعل وهم يسئلون. أحمده سبحانه حمد عبد نزه ربه عما يقول الظالمون. وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له. وسبحان الله رب العرش عما يصفون. وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله وخليله الصادق المأمون. اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين
هم بهديه مستمسكون، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فيا أيها الناس، اتقوا الله حق تقاته.
واعلموا
أن القلب له إقبال وله إدبار وأن القلب المطمئن والذي سكن لأمر ربه هو القلب الحي.
عباد
الله : منزلة «السكينة» منزلة من منازل الايمان
فالسكينة عبادة قلبية , ذكرها الله تعالى في كتابه في ستة مواضع منها قوله تعالى :
( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ». ومنها (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ
فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ)
وأصل
«السكينة» هي الطمأنينة والوقار، والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه
من شدة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه ، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوة اليقين
والثبات. لأن الواحد إذا أصابه قلق وخوف شرد عن الله لكن إذا اطمأن أنِس بالله، ولذلك
وطن نفسك على السكينة لتأنس بالله جل وعلا فإذا أنِست بالله فتح عليك من حسن التعامل
من كل شيء.
أخبر
سبحانه وتعالى عن إنزال السكينة على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين في مواضع
القلق والاضطراب، كيوم الهجرة إذ هو وصاحبه في الغار والعدو فوق رؤوسهم لو نظر أحدهم
إلى ما تحت قدميه لرآهما.
وفي يوم حنين حين ولوا مدبرين من شدة بأس الكفار
لا يلوي أحد على أحد. وفي يوم الحديبية حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار عليهم ودخولهم
تحت شروطهم التي لا تحملها النفوس، وحسبك من ضعف عمر رضي الله عنه عن حملها - وهو عمر
- حتى ثبته الله بالصديق رضي الله عنهما .
«السكينة»
إذا نزلت على القلب اطمان بها وسكنت إليها الجوارح وخشعت ، واكتسبت الوقار وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة، وحالت بينه وبين
قول الخنا والفحش، واللغو والهجر، وكل باطل .
كان
شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى- إذا اشتدّت عليه الأمور قرأ آيات السّكينة،
وكان يأمر من حوله عند اشتداد خوفه ومرضه يأمر أحدهم أن يقرأ عليه آيات السّكينة. يقول
: ثمّ يقلع عنّي ذلك الحال.
أيها الناس : للسّكينة الّتي تنزل على قلب المؤمن درجات ثلاث:
الأولى:
سكينة الخشوع، وهي ثمرة السّكينة الثّانية أي تلك الّتي تنزّل على قلب الرّسول والمؤمنين.
الثّانية:
السّكينة عند المعاملة بمحاسبة النّفوس، وملاطفة الخلق، ومراقبة الحقّ.
الثّالثة:
السّكينة الّتي توجب الرّضا بما قسم الله عزّ وجلّ وتمنع من الشّطح الفاحش.
عن
أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا
تعسّروا، وسكّنوا ولا تنفّروا» متفق عليه والمراد إدخال الطمأنينة والهدوء على النفس.
قال
شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي رحمه الله : « أمّا السّكينة الّتي نزلت على قلب النّبيّ
صلّى الله عليه وسلّم وقلوب المؤمنين فهي شيء يجمع قوّة وروحا، يسكن إليه الخائف ويتسلّى
به الحزين والضّجر، ويسكن إليه العصيّ والجريء والأبي» .
اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة
الثانية
الحمد لله العلي العظيم القادر، هو الأول والآخر، والباطن والظاهر وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ولد ولا مظاهر. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،
صاحب الآيات والمعجزات والبصائر، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه،
ومن على سبيله إلى الله سائر، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد
عباد
الله وفي زمن المحن والفتن والأوبئة- مثل زمن كورونا- الناس بحاجة إلى سكينة ووقار
وطمأنينة وبث التفاؤل لا إرجاف وهلع في وسائل التواصل الاجتماعي. وأيضا السكينة نحتاجها
في زمن فشو المنكرات وارتفاع صوت الباطل فالناس بحاجة إلى بث الأمل ونشر الخير وإماتة
الباطل وتبيين للناس أمراً مهماً جداً : أن الباطل يبقى الباطل ولو ارتكبه الناس. وأن
الباطل لو ارتفع أحياناً فسيزهق قريبا .
من فوائد (السكينة)
(1)
علامة رضا الله عن العبد .
(2)
سمة العلماء وصفة الأولياء، والمتشبّه بهم إن شاء الله في زمرتهم.
(3)
علامة اليقين والثّقة بربّ العالمين.
(4)
فيها طاعة لله وتأسّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(5)
السّكينة تثبّت قلوب المؤمنين وتزيدهم ثقة وإيمانا.
(6)
السّكينة تؤدّى إلى الرضا بما قسم الله عزّ وجلّ وتمنع من الشّطط والغلوّ.
(7)
السّكينة عند معاملة الخلق تؤدّي إلى اللّطف في هذه المعاملة وهذا يجلب المحبّة ويشيع
الألفة.
(8)
السّكينة تثمر الخشوع وتجلب الطّمأنينة وتلبس صاحبها ثوب الوقار.
(9)
السّكينة تنطق صاحبها بالصّواب والحكمة وتحول بينه وبين قول الخنا والفحش واللّغو وكلّ
باطل .
(10)
السّكينة من الأمور الّتي تسكّن الخائف وتسلّي الحزين والضّجر.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا عليم ،
اللهم فقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر
لنا وترحمنا وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم
احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت
بنا أعداء و لا حاسدين ، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ بك من كل شر
خزائنه بيدك .
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ونسألك كلمة الحق في
الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغـنى، ونسألك نعيمًا لا ينفد ونسألك قرة
عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة
النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فـتنة مضلة، اللهم
زينا بزينة الإيمان، واجعـلنا هداة مهتدين يا أرحم الراحمين.
اللهم واغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه ،
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
. وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|