فضائل الصحابة
الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى ، رَبِّ السَّمَاوَاتِ
وَرَبِّ الْأَرْضِ وَرَبِّ الْآخِرَةِ وَالْأُوْلَى ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ
إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ذُو الْفَضْلِ وَالْجُودِ الَّذِي لَا
يُحْصَى ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَفْضَلُ مَنْ
تَعَبَّدَ للهِ وَدَعَا ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ بِهُدَاهُمُ اقْتَدَى .
أمَّا بَعْدُ ، فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أُوصِيكُم وَنَفْسِي
بِتَقْوَى اللَّهِ
عباد
الله فممن
اختار الله لصحبة نبيه المختار r : الصحابة الأجلاء وأهل
الخير الكرماء الذين نذروا أنفسهم لصحبة نبيه فالصحابي من لقي النبي r مؤمناً به ومات
على ذلك والصحابة لهم حقوق علينا وواجبات كثيرة
فمنها محبتهم والترضي عنهم وسَلاَمَةُ القلوب
والألسن لهم رضي الله عنهم كَمَا وَصَفَهُمُ اللهُ أهل السنة فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى : ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ
لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي
قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ فهذا أصل عظيم من أصول أهل السنة : سلامة
ألسنتهم وقلوبهم وبأنهم أيضاً لَا يُزْرون
بِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَلَا يَطْعَنُونَ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْمِلُونَ لَهُ حِقْدًا وَلَا بُغْضًا وَلَا
احْتِقَارًا، فَقُلُوبُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَرَاءٌ، وَلَا
يَقُولُونَ فِيهِمْ إِلَّا مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ:{رَبَّنَا
اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}فَهَذَا
الدُّعَاءُ الصَّادِرُ ممَّن جَاءَ بَعْدَهُمْ ممَّن اتَّبعوهم بِإِحْسَانٍ يدلُّ
عَلَى كَمَالِ محبَّتهم لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، وَثَنَائِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أَهْلٌ لِذَلِكَ الْحُبِّ
وَالتَّكْرِيمِ, لِفَضْلِهِمْ، وَسَبْقِهِمْ، وَعَظِيمِ سَابِقَتِهِمْ،
وَاخْتِصَاصِهِمْ بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
وَلِإِحْسَانِهِمْ إِلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ المبلِّغون لَهُمْ
جَمِيعَ مَا جَاءَ بِهِ نبيُّهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَا
وَصَلَ لأحدٍ علمٌ وَلَا خبرٌ إِلَّا بِوَاسِطَتِهِمْ، وَهُمْ يوقِّرُونهم أَيْضًا
طَاعَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ حَيْثُ نَهَى عَنْ
سَبِّهِمْ والغضِّ مِنْهُمْ، وبيَّن أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ مِنْ أَحَدِ
أَصْحَابِهِ يَفْضُلُ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ لِكَمَالِ
إِخْلَاصِهِمْ، وَصَادِقِ إِيمَانِهِمْ قال r
«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ
أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ،
وَلَا نَصِيفَهُ» متفق عليه .
وهم مع ذلك يفضِّلون مَن أَنْفَقَ مِنْ
قَبْلِ الْفَتْحِ - وَهُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ - وَقَاتَلَ عَلَى مَن أَنْفَقَ
مِنْ بَعْدِهِ وَقَاتَلَ, قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ:{ لَا يَسْتَوِي
مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ
دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ
اللَّهُ الْحُسْنَى}.
ويقدِّمون الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الْأَنْصَار
؛ فَلِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ جَمَعُوا الْوَصْفَيْنِ: النُّصْرَةَ وَالْهِجْرَةَ،
وَلِهَذَا كَانَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَبَقِيَّةُ الْعَشَرَةِ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِتَقْدِيمِ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى
الْأَنْصارِ فِي قوله تعالى[ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] وقال أبو بكر رضي الله عنه فِي خُطْبَتِهِ
يَوْمَ السَّقِيفَةِ:(نَحْنُ الْمُهَاجِرُونَ، وَأَوَّلُ النَّاسِ إِسْلَامًا،
أَسْلَمْنَا قَبْلَكُمْ، وقُدِّمْنا فِي الْقُرْآنِ عَلَيْكُمْ، فَنَحْنُ
الْأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ).
وَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ قَالَ لأَهْلِ
بَدْرٍ - وَكَانُوا ثَلاثَ مِئَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ- : (اعْمَلُوا مَا شِئْتُم
فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) . وَبِأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ
تَحْتَ الشَّجَرَةِ؛ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ، بَلْ لَقَدْ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَكَانُوا
أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِ مِئَةٍ .
وَيُقِرُّونَ بِمَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ
عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ،
ثُمَّ عُمَرُ. وَيُثَلِّثُونَ بِعُثْمَانَ، وَيُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمْ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثَارُ، وَكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى
تَقْدِيمِ عُثْمَانَ فِي الْبَيْعَةِ. وَمَنْ طَعَنَ فِي خِلاَفَةِ أَحَدٍ مِنْ
هَؤُلاءِ؛ فقد ضل ضلالاً مبيناً .
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمدلله والصلاة
والسلام على رسول الله وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله أما
بعد:
فمن
أصول أهل السنة أنهم َيُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ rوَيَتَوَلَّوْنَهُمْ
وَيَحْفَظُونَ فِيهِمْ وَصِيَّةِ
رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي
أَهْلِ بَيْتِي] رواه مسلم فهم
يَرْعَوْنَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَقَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ كَمَا يُحِبُّونَهُمْ لِإِسْلَامِهِمْ،
وَسَبْقِهِمْ، وَحُسْنِ بَلَائِهِمْ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ
وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللهِ r أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وهنّ إحدى عشرة زوجة ، مات منهن في حياته
اثنتان، وتوفي هو عن تسع. رضي الله عنهن.
وَيَتَبَرَّؤونَ مِنْ طَرِيقَةِ الرَّوَافِضِ وهي الْغُلُوُّ فِي عليٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ،
وَبُغْضُ مَن عَدَاهُ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَسَبُّهُمْ، وَتَكْفِيرُهُمْ.
ويتبرؤون
أيضا مِنْ طَرِيقَةِ النَّوَاصِبِ الْجُفَاةِ الَّذِينَ نَصَبُوا الْعَدَاوَةَ
لأَهْلِ الْبَيْتِ .
ويتبرَّؤُون كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقَةِ النَّوَاصِبِ الَّذِينَ ناصَبوا أَهْلَ
بَيْتِ النبوَّة الْعَدَاءَ لِأَسْبَابٍ وَأُمُورٍ سِيَاسِيَّةٍ مَعْرُوفَةٍ.
ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن قوم يسبون
الصحابة؛ قالت: لا تعجبون! هؤلاء قوم انقطعت أعمالهم بموتهم، فأحب الله أن يجري
أجرهم بعد موتهم.
ثم صلوا وسلموا على نبيكم ...
وللمزيد من الخطب السابقة
للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |