حقوق العمال
الحمد لله الذي جعل الأخلاق من الدين، وأعلى بها شأن المؤمنين، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله
ورسوله الصادق الأمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين
الطاهرين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، وعلى مَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى حقّ تقواه، وزيّنوا قلوبكم وأعمالكم بتقواه،
وتزوّدوا بها ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.
عباد الله: اعلموا أن أوامر الله جل في علاه فيها الخير والبركة والفوز في
الدنيا والآخرة , ومن تلكم الأوامر والأخلاق (خلق العدل)، العدل أمر الله به في
مواضع كثيرة من كتابه، وأمر بالعدل بين الناس في المقالات والمذاهب والدماء
والأموال والأعراض وسائر الحقوق قال تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل﴾، وقال: ﴿قل أمر
ربي بالقسط﴾،، ونهى عن الظلم في كل شيء وذم الظالمين وذكر عقوباتهم في الدنيا
والآخرة في آيات متعددة وقال: ﴿والله لا يحب الظالمين﴾.
فمن تلكم الحقوق التي غابت عن بعض بني البشر بل وضُيعت وظُلمت (حقوق العمال)
مع أن الهدي النبوي قولا وفعلا أمر بالعدل فيهم في أحاديث كثيرة .
هل سمعتم بأظلم ممن لم يعط العمال رواتب سنة أو سنتين؟! وهل أتاكم خبر بخس
الأجور؟! وهل رأيتم سوء حياتهم ومعاشهم؟!
أيها الناس أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي
ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه
أجره)).
إنَّ العاقلَ الحصيفَ المنْصِفَ مع نفسِهِ المريدَ لسعادتِها في الدنيا
والآخرةِ يُحَاذِرُ أشدَّ الحذرِ من أنْ يكون من المفْلِسين يومَ القيامةِ ، ولا
يستغلَّ قُدْرتَه على العُمَّالِ وقوَّتَهُ وتَمَكُّنَهُ من تضييعِ حقوقِهم أنْ
يُضيِّعَ حقوقَهم؛ فإنَّ ما ضاعَ من الحقوقِ في الدنيا لا يضيعُ يومَ القيامةِ,
فمَن كان هذا شأنه فربُّ العالمين جلَّ وعلا هو خصْمُه يوم القيامةِ، ومَن كان
خصمه اللهُ فما أعظمَ خسرانَه وما أشدَّ هوانَه .
أيها الإخوة الكرام، لماذا يعامل بعضنا العمال بتسلط واحتقار؟! يأكل جهدهم،
ويشق عليهم، ويسيء إليهم بأحطّ العبارات والألفاظ، لا يراقب الله فيهم، ولا يمنحهم
شهامة، ولا يؤدّي لهم نوعَ شفقة ورعاية. من المؤسف أن طبقة العمال في هذا الزمان
من أشدّ الطبقات تورطًا في الظلم والعسف والمهانة، لا يحصل هذا في بلد كافِر بل في
بلد مسلم، يعرف أهله العدل والرحمة والإحسان كما يعرفون أهليهم وأبناءهم.
أين أنتم من صنيع أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مع غلامه إذ حاطه برحمة متناهية
وإحسان سام؟! ثبت في الصحيح عن المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذَة وعليه حُلة،
وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي النبي
صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذر، أعيرته بأمة؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم
خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه
مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)).
أيها الإخوة، لا يُنكَر وجود طائفة في العمال ضعيفة الدين والأمانة، لكن الأصل
أن يعطى المكفول أو العامل حقّه بموجب العقد والشرط، ولا تبخس الأجور ولا تؤخّر،
وقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عَرقُه))
رواه ابن ماجه وحسنه ابن حجر .
معاشر الكفلاء وغيرهم، تصوّروا عاملاً مظلومًا أُكل ماله ونهكت نفسه، رفع يديه
إلى السماء منتقمًا من سيده وكفيله، يطلب العون والنصر، وقد قال تعالى: ﴿أَلاَ
لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ:
((واتق دعوة المظلم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))، وفي الحديث الآخر: (دعوة
المظلوم ولو كان كافرا ليس بينها حجاب ) رواه أحمد وحسنه الألباني.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر
الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله
وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
أيُّها المؤمنون: تأمَّلوا
في هذا ذِكرَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام لقصةِ النَّفَرِ الثلاثةِ الذين
أَطبقَتْ عليهم صخرةٌ في غارٍ فتوسَّل كلُّ واحدٍ من هؤلاءِ بقيامِهِ بالحقوقِ؛
أمَّا أحدُهم فتوسَّل إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بقيامِهِ بحقِّ والديهِ، وأمَّا الثاني
فتوسَّل إلى اللهِ جل وعلا بقيامِهِ بِحقِّ حِفظِ الأعراضِ وعدمِ انتهاكِها ،
وأمَّا الثالثَ فتوسَّل إلى الله عزَّ وجلَّ بتوفيَتِهِ للأجيرِ أجرَهُ بعد أنْ
نمَّاهُ ، فقال عليه الصلاة والسلام في تمامِ الحديثِ: ((فَانْفَرَجَتْ عَنْهُمْ
الصَّخْرَةُ)) انفراجُ الصخرةِ - عباد الله - في هذا الحديث دلالةٌ بيَّنةٌ على
تيسُّرِ الأمورِ وانفراجِ الخيرِ وأبوابِه وانفتاحِهِ في أبوابِ المحسنين القائمين
بالحقوقِ على وجهِها المتمِّمين لها كما أمر اللهُ جلَّ وعلا عبادَه بذلك، فهذا -
عباد الله - من أعظمِ الوسائلِ المقرِّبةِ إلى الله جلَّ وعلا والمـُكْسِبَةِ
رضاهُ ..
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا
يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيء الأخلاق لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم
إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا
بما علمتنا وزدنا علماً يا عليم. اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنّا
وما أسررنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم
اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك،
ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا،
وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من
عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ
تسلّط علينا من ﻻ يرحمنا فينا يا أرحم الراحمين.
اللهم احفظ بلادنا من كيد
الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم انصرها على من يكيد لها في داخلها وخارجها،
وأخرجها من الفتن والشرور، اللهم أصلح أهلها وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم
وانصرهم على أعدائهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم صلّ وسلم على
نبينا محمد..
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|