من أحكام وآداب المولود
الحمدُ لله على سعةِ عطائِه، وكثرةِ نعمائِه، أحمدُهُ -تعالى- وأشكره على سوابغ آلائه وتَرادُف امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى بعزته وكبريائه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خيرتُه من خلقِه وصفيُّه من أوليائِه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا مزيداً إلى يوم لقائه.
أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى ، فمن اتقاه وقاه ، ومن توكل عليه كفاه ، واعلموا أن أصدقَ الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة ، وكلَ بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
عباد الله : لقد اعتنى الشارع الحكيم بالمولود عنايةً عظيمةً فائقة؛ فرتَّب له أحكامًا وآدابًا؛ لِيَكُونَ الإسلام والالتزامُ به أوَّلَ ما يُلامِسُ جسدَهُ في هذه الحياة؛ تفاؤلاً بِتَمَسُّكِهِ به في بَقِيَّةِ مراحِلِ حياتِهِ , فَحَرِيٌّ بالمسلم أن يتعلمَ هذه الآدابَ والأحكامَ، وأن يرعاها مع مواليدِه؛ طلبًا للثواب مِنَ الله جَلَّ جَلاَلُهُ، وإحياءً لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فمن تلك الآداب الواجبة: تحريم تسخط البنات قال تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ) فتأمل هنا أَنه سُبْحَانَهُ قدم مَا كَانَت تؤخره الْجَاهِلِيَّة من أَمر الْبَنَات حَتَّى كَانُوا يدفنونهن وهنَّ أحياء خوف العار والشنار ألا ساء ما يحكمون، وما زالت هذه الظاهرة باقية إلى يومنا هذا عند بعض الناس إذ تجده يتضايق حينما يرزق بالبنات، وما علم أن ديننا الحنيف عظّم شأن البنات، وشرع الفرح بولادتهن وذلك في أحاديث كثيرة منها ما ثبت صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عَال جاريتين حَتَّى تبلغا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أَنا وَهُوَ هَكَذَا وَضم إصبعيه).
ومن الأحكام المتعلقة بالمولود: استحبابُ بِشَارَةِ مَن رُزِقَ ولدًا وتَهْنِئَتِهِ بذلك ، ولأن الولد سواء كان ذكراً أو أنثى من أكبر النعم الدينية والدنيوية ، قال الله جَلَّ وَعَلاَ: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) ، وقال: (فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى) .
ولما كانت البشارة تُسْعِدُ العبدَ المسلم وتُفْرِحُه استُحِبَّ للمسلم أن يُدْخِلَ على أخيه المسلمِ السرورَ ، وأن يُعْلِمَهُ بما يُفْرِحُهُ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الأعْمَال أَنْ تُدْخِلَ عَلَى أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ سُرُورًا) أخرجه ابن أبي الدنيا وغيره وهو حديث حسن..
فإن فاتَتْهُ الْبِشَارَةُ اسْتُحِبَّ له التَّهْنِئَةُ. والفرْقُ بين البشارة والتهنئة: أن البشارة إعلامٌ له بما يَسُرُّهُ ، والتهنئةَ دعاءٌ له بالخير والبركة فيه بعد أن يَعْلَمَهُ .
ومن الآداب : مشروعية الدعاء للمولود بالبركة حيث كان هذا فعل نبينا عليه الصلاة والسلام كما هو ثابت في الصحيحين .
ومنها :الآذان عند ولادة المولود في أُذنِه اليمنى ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذّن في أُذُن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة - رضي الله عنهم أجمعين - . رواه الترمذي وقال حسن صحيح
والحكمة في ذلك: أن يكون أول ما يسمعه الأذان الذي هو تعظيم الله وتوحيده والشهادة لنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة , ولكن هذا التأذين يكون حين الولادة مباشرة ، وأما إذا فات وقت الولادة فهي سنة فات محلها فلا تقضى، وأما الإقامة فليست بسُنة ، لأن حديثها ضعيف..
ومن الآداب: تَحْنِيكُ الصَّبِيِّ؛ فإنه كان يُؤتى بالصِّبيانِ للنبيَّ صلى الله عليه وسلم يُحَنِّكُهُمْ بتمرة فيلينها لهم ويُدلّك بها أفواههم ويدعو لَهُم بالبركة , وذلك والله أعلم لكي يكون التمر أول ما يصل إلى معدة الصبي لأنه لها بمنزلة الدباغ .
ومن الآداب: تسمية المولود إن شاء في اليوم الأول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ)، وإن شاء في اليوم السابع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُسَمَّى فِيهِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ).
وينبغي للمسلم أن يختار الاسم الحسن ، والمراد به : أن يكون حسن اللفظ وحسن المعنى - فمن الأسماءَ المستحبَّة في الشرع : عبد الله وعبد الرحمن؛ لقوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (أَحَبُّ الأسْمَاء إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) ، وكأسماء الأنبياء صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، وكأسماء الصحابة والمعروفين من أهل العلم بالاستقامة والصلاح؛ كما هو دأب السلف الصالح رَضِيَ الله عَنْهُمْ.
ومن الآداب الواجبة : مِمَّا لَا نزاع فِيهِ بَين النَّاس: أَن التَّسْمِيَة حق للْأَب لَا للْأُم وَأَن الْأَبَوَيْنِ إِذا تنَازعا فِي تَسْمِيَة الْوَلَد فَهِيَ للْأَب .
ومن الآداب والأحكام المتعلقة بالمولود أيضاً : حَلْقُ شَعْرِ الصبي يوم سابعه ، والتَّصَدُّقُ بِوَزْنِهِ فِضَّةً؛ لأمْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بذلك، وهذا الحكم خاص بالذكور دون الإناث كما نصت عليه فتاوى اللجنة الدائمة .
ومن الآداب أيضًا: الْخِتَان، وهو واجب في حَقِّ الذكر، مَكْرُمَةٌ وسُنَّة في حَقِّ الأنثى.. ومَن لم يختنه وليُّه حتى بلغ : فإنه يجب عليه الختان ، لأن ببلوغه تَجِبُ عليه الأحكام .
ومن الآداب أيضًا: العَقِيقَة ؛ وهي الشاة التي تذبح عن المولود ، وتسمية بعض العامة لها (بالتميمة) لا أصل له في الشرع، وهي -أي: العقيقة- سنةٌ مؤكَّدة في أصح أقوال أهل العلم، وليست بواجبة؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ ، عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد حسن..
وفي العقيقة من الفوائد أنها : إحياء للسنة النبوية وفيها شكر لله وقربان يقرب به عن المولود في أول أوقات خروجه إلى الدنيا، والمولود ينتفع بذلك غاية الانتفاع كما ينتفع بالدعاء له وإحضاره مواضع المناسك والإحرام عنه وغير ذلك.
والسنةُ شاتان عن الغلام، وشاة عن الجارية ؛ والأفضل أن يراعى في العقيقة ما يراعى في الأضحية من حيث السن ، فيجزئ من الضأن ستة أشهر فما فوق، ومن المعز سنة فما فوق ..
ووقت العقيقة هو اليوم السابع من الولادة، فإن فات ففي اليوم الرابع عشر، فإن فات ففي اليوم الحادي والعشرين، فإن فات ذبح في أي يوم شاء؛ على الصحيح من أقوال أهل العلم رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وللمسلم أن يصرف العقيقة في أي شيء أراد، وفي أي مصرف أراد، لكنَّ الأفضل كما - نص الإمام أحمد وغيره من المحققين - أن يطبخها، وأن يدعو إليها الأقارب والمساكين والجيران..
ولا عقيقة عن السِّقط - ما لم يتم أربعة أشهر - ، ولو تبيَّن أنه ذكر أو أنثى إذا سقط قبل نفخ الروح فيه ؛ لأنه لا يسمَّى غلاماً ولا مولوداً, وأما إذا سقط في الشهر الخامس وما بعده فإنه يسمى ويغسل ويصلى عليه، ويعق عنه.. ومن كَبُرَ ولم يَعُقَّ عنه والده : فله أن يَعُق هو عن نفسه إن شاء .
زينّا الله وإياكم بزينة الإيمان ، وجعلنا وأهلينا هداة مهتدين .. أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
ومن الآداب المتعلقة بالمولود : مشروعية تكنيته بأبي فلان ولو لم يولد له ولو كان صغيرا يقول الإمام الزهري: كانوا يكنوننا ونحن صغار , ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا عمير ما فعل النغير ) وكان صغيرا . وكثير من الصحابة تكنوا قبل أن يولد لهم مثل عائشة تكنى: أم عبد الله" ومثل أبي هريرة وغيرهم .
ومن الآداب اسْتِحْبَاب تَقْبِيل الْأَطْفَال روت عائشة رضي الله عنها قالت: قدم نَاس من الْأَعْرَاب على رَسُول الله صلى الله عليه وَسلم فَقَالُوا: تقبلون صِبْيَانكُمْ ؟ فَقَالُوا: نعم، فَقَالُوا: وَالله لَكنّا مَا نقبل، فَقَالَ: (أَوَ أملك إِن كَانَ الله نزع من قُلُوبكُمْ الرَّحْمَة) . متفق عليه
ومن الآداب : وجوب تَأْدِيب الْأَوْلَاد وتعليمهم وَالْعدْل بَينهم وتربيتهم على محبة الله وتعظيمه والخوف منه ونزع من قلبه تقديس الناس ومحبتهم أكثر من محبة الله كمحبة الرجل الشجاع الذي يظلم الناس بقوته وسفكه للدماء والتعصب لذلك وكمحبة اللاعبين والفنانين وغيرهم
وبعد أيها الأخوة في الله : هناك عوائدُ وبدعٌ فَشَتْ في بعض الناس تتعلق بالمواليد ، يجب على المسلم أن يحاربها ، وإذا كان قد وقع فيها أن يتخلص منها ؛ لأنها إثمٌ وحُوبٌ كبير.. فمن أخطرها: ما يسمى بـ (عيد الميلاد)، وهي بدعة أجنبية نتنة ، وفدت إلينا عن الغربيين الكفرة وأذنابهم المتشبِّهة ؛ وهي افتراء على الله، وتَقَوُّلٌ على شَرْعِهِ، وإحداثٌ في دين الله ما لم يأذن به الله..والاحتفال بالميلاد بأنواعه وأشكاله واختلاف مقاصد فاعليه - وسواء كان الميلاد لمولدٍ شخصي أو مولد نبوي ، وسواء كان عيد رأس السنة الميلادية أو الهجرية - لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة ، ومحدثة بعد القرون المفضلة ، فيجب على المسلمين منعها ومنع غيرها من البدع ، وأن لا يُشاركوا بها ولا يُهنّئوا أهلها كما عليه فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء .
فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد : بارك لنا في ذرياتنا واجعلهم مباركين على أمة نبينا عليه الصلاة والسلام، ونسألك اللهم أن تصلح لنا نياتنا وذرياتنا ، وأن تحفظ لنا فلذات أكبادنا ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً. اللهم هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ربنا وتقبل دعاء، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم خالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.
اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصارا لدينك واجزهم خير الجزاء على ما يقومون به من خدمة للإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم من أرادنا اللهم من أرادنا وأراد ديننا وديارنا وأمننا وأمتنا واجتماع كلمتنا بسوءٍ اللهم فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه يارب العالمين، اللهم إنا ندرؤك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. اللهم احفظ جنودنا وقواتنا وقوِّ عزائهم واربط على قلوبهم، وأحكم أمرهم وسدد رأيهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم واحفظهم أن يغتالوا من تحتهم.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |