تنبيه اللبيب بخطورة التخبيب
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين
كفروا بربهم يعدلون، أحمده - سبحانه - وأشكره على ترادُف آلائه، وقليلٌ من عباده الشاكرون،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزَّه عن الصاحبة والولد، وسبحان الله وتعالى
عما يصفون، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه وخليلُه الأمين المأمون، صلّى الله وسلَّم
وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ومَنْ هم بهديه مُستمسِكون،
أما بعد:
فيا
أيها المؤمنون: اتقوا الله واعلموا أن من أعظم
المواثيق التي أخذت على الأزواج: ميثاق عقد الزواج وهو أن هذه أن الزوجة قبل
عقد النكاح محرمة على الزوج ولا تحل له إلا بذلك المهر الذي يدفعه لها كما قال تعالى:
(وأخذنا منهم ميثاقا غليظاً) وهذا الميثاق قائم على المحبة والألفة والتناصح فيما بين
الزوجين والتغافل عن الزلات. ثم سرى الشيطان وشياطين الانس لتبغيض الزوجة إلى زوجها
والعكس بصور وأشكال متنوعة , فجاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها ويخببها
عليه، فقال صلى الله عليه وسلم : [ لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا]
حديث صحيح رواه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ومعناه: أفسد أخلاقها عليه
وتسبب في نشوزها عنه بأي طريقة وعلى أي حال . والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على
صلاح ما بينها وبين زوجها؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم.
وضبط
الفقهاء التخبيب بأنه إفساد المرأة على زوجها، فمن فعل ذلك كان مخببًا. ولا يشترط أن
يكون قصد بذلك أن يتزوج منها بعده، فهو مذموم سواء تزوج منها أم تزوج منها غيره، ويشمله
الوعيد الذي وردت به السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم.
فالإفساد
بين الزوجين جرم عظيم وكبيرة من كبائر الذنوب، وهو من جنس عمل الساحر: «فَيَتَعَلَّمُونَ
مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ».
والتفريق
بين الزوجين من أعظم ما يفرح به إبليس عند بعثه سراياه، كما أخبر به النبي، صلى الله
عليه وسلم، -في الحديث الذي رواه الإِمام مسلم-
قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى المَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ
فِي النَّاسِ فَأَقْرَبُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ فِتْنَةً،
يَجِيءُ أَحَدَهُمْ فَيَقُولُ مَا زِلْتُ بِفُلاَنٍ حَتَّى تَرَكْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ
كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولَ إِبْلِيسُ لاَ وَاللَّهِ مَا صَنَعْتُ شَيْئاً. وَيَجِيءُ
أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَـيْنَهُ وَبَـيْنَ أَهْلِهِ.
قَالَ فَيُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيهِ ويلتزمه وَيَقُولُ نِعَمَ أَنْتَ!». صرح الفقهاء بالتضييق
على هذا المخبب – ذكراً أو حتى أنثى - ، وزجره وإلحاق العقوبة عليه حتى يرتدع وينزجر
غيره .
بارك الله لي ولكم في
القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر
الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمدُ لله حقَّ حمده، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيراً،
أما بعد:
أيها
المؤمنون الإفساد بين الزوجين له صور كثيرة منها: المشي بين الزوجين بالنميمة، وكلام
السوء في سائر الأحوال. ومنها: تخبيب المرأة على زوجها وإيغار صدرها بذكر مساوئه، أو
تحريضها على الخلع والطلاق أو المطالبة بما لا يحق لها، أو نشوزها والخروج عن طاعته.
ومنها: فساد الرجل على زوجته: بذكر مساوئها وسوء أخلاقها، أو ذم أهلها وتحريضه على
فراقها. ومنها: تخبيب رجل أجنبي امرأة متزوجة وإقناعها بطلب الطلاق من زوجها الأول!
فإذا حصل الطلاق تزوجها، فيحُرم ذلك ولو كان الزوج الأول ظالماً لها، ومنها: تدخل أجنبي
بين الزوجين وقت النزاع بينهما، والسعي فى حصول الطلاق، مع ان هذا يخالف القران كما
قال تعالى – حينما يتنازع الزوجان (فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ) سواء كان
من قبل أهل الزوج أو الزوجة أو غيرهما. وأكثر ما يدخل على الأسرة في إفسادها من قبل
المرأة، لكونها ضعيفة تغلبها العاطفة وتؤثر فيها الكلمة، وكثير من النساء يسعين في
الفتنة دائماً للتفريق حسداً أو غيرة أو فضولاً أو رقة في الدين. ويجب على كلا الزوجين
تجنب مجالس الفتنة والابتعاد عن أصدقاء السوء الذين يؤججون نار الفتنة.
ومن
صور التخبيب الحديثة: تخبيب برامج التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك البرامج التي تنقل
اليوميات، فترى الواحدة منهن تعرض أكلها وشربها ومسكنها وسفراتها وهداياها مما يوغر
صدور الزوجات على أزواجهن فيطالبن بما يعجز عنه الزوج من النفقة الباهظة لأجل مماثلة
تلك ومجاراة أخرى، فيقع بين الزوجين خصومة وجدال قد تؤدي إلى الطلاق أو النفرة، ولو
أن كل امرأة ورجل احتفظ بخاصة أمره ولم ينشره لتوقفت مظاهر المفاخرة والتقليد الذي
سبب ديونا ومشاكل أسرية، وعدم رضا بما قسم الله، وحسدا لمن أنعم الله عليهم.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك الثبات في
الأمر ، والعزيمة على الرشد ، ونسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ، ونسألك قلوبا سليمة
، وألسنة صادقة ، ونسألك من خير ما تعلم ، ونعوذ بك من شر ما تعلم ، ونستغفرك لما تعلم
، إنك أنت علام الغيوب .اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ، ولا همّا إلا فرّجته ، ولا
كربا لا نفَّسته ، ولا ضرّا إلا كشفته ، ولا ديْنا إلا قضيته ، ولا عدوا إلا أهلكته
، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نعوذ
بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما
بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنّا وما أسررنا وما أنت أعلمُ
به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت،
أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا،
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع
به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد يا ذا الجلال والإكرام .اللهم صلّ وسلم على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|