خطبة جمعة عن الكبر
الحمد لله العلي الكبير , العزيز الجبار المتكبر , وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له , واشهد ان محمد عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا 0 ( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون ) 0 أيها الإخوة المسلمون : آفات القلوب كثيرة وكثيرة جدا , أعظمها أخطرها على دين المرء , آفة من هذه الآفات تعتري فئة من الناس تبين على جوارحهم , أقوالهم , وأفعالهم , أسبابها ودوافعها كثيرة , وأسباب علاجها والقضاء عليها بإذن الله يسيرة إنها : آفة الكبر والتكبر , وما أدراكم ما لكبر والتكبر 0 هلك بالكبر خواص الأنام فضلا عن غيرهم من العوام، وهو الحجاب العظم للوصول إلى أخلاق المؤمنين، إذ فيه عز يمنع عن التواضع ، و كظم الغيظ ، و قبول النصح، و الدوام على الصدق، و ترك الغضب و الحقد , و الحسد و الغيبة و غير ذلك. و لذا ورد في ذمه ما ورد من النصوص الشرعية 0 فهو أول ذنب عصي الله فيه , فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم سجدوا : ( إلا إبليس أبا واستكبر وكان من الكافرين)
وقد جاء في النصوص الشرعية بيان ذم الكبر والحذر منه وبيان عقوبة فاعله في الدنيا والآخرة قال الله تعالى ( قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ) وقال سبحانه ( فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ...) ومن الأحاديث : مارواه مسلم عن عبدِ اللَّهِ بن مسعُودٍ رضيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ, فقال رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُه حسناً، ونعلهُ حسنا قال : إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ 0 بَطَرُ الحقِّ: دفْعُهُ وردُّهُ على قائِلِهِ. وغَمْطُ النَّاسِ : احْتِقَارُهُمْ 0وعنْ سلمةَ بنِ الأَكْوع رضي اللَّه عنه أَن رجُلاً أَكَل عِنْدَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بشِمالِهِ فقال: كُلْ بِيَمِينِكَ , قالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ، قال: لا اسْتَطَعْتَ , مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الكبْرُ. قال: فما رَفَعها إِلى فِيهِ. رواه مسلم. و عن حَارثَةَ بنِ وهْبٍ رضي اللَّه عنه قال: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ 0 متفقٌ عليه. وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فقالت النَّارُ: فيَّ الجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ، وقالَتِ الجنَّةُ: فيَّ ضُعَفاءُ النَّاسِ ومَسَاكِينُهُمْ. فَقَضَى اللَّه بيْنَهُمَا: إِنَّكِ الجَنَّةُ رَحْمَتي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وإِنَّكِ النَّارُ عذَابي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، ولِكِلَيْكُما عليَّ مِلْؤُها 0 وعنه قال: قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ثَلاثةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّه يَوْمَ القِيامَةِ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائلٌ مُسْتَكْبِرٌ» رواهُ مسلم 0 و العائِلُ هو : الفَقِير. وعنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: قال اللَّه عزَّ وجلَّ: العِزُّ إِزاري، والكِبْرياءُ رِدَائِي، فَمَنْ يُنَازعُني في واحدٍ منهُما فقدْ عذَّبتُه0 وعنْه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « بيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُه نفْسُه، مرَجِّلٌ رأسَه، يَخْتَالُ في مَشْيَتِهِ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فهو يَتَجَلْجَلُ في الأَرْضِ إلى يوْمِ القِيامةِ » متفقٌ عليه 0 وعن سَلَمَة بنِ الأَكْوع رضيَ اللَّه عنه قال: قال رسُولُ اللِّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: لا يزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ في الجَبَّارينَ، فَيُصِيبُهُ ما أَصابَهمْ 0 رواهُ الترمذي وقال: حديث حسن . يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ : أَي يَرْتَفعُ وَيَتَكَبَّرُ.
وقد ضرب النبي صلى الله عيه وسلم أروع الامثلة في التواضع لله ولعباد الله 0 فقد روى مسلم عن عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « إِن اللَّه أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلى أَحدٍ، ولا يَبغِيَ أَحَدٌ على أَحَدٍ » 0وعَنْ أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « ما نَقَصَتْ صَدقَةٌ من مالٍ، وما زاد اللَّه عَبداً بِعَفوٍ إِلاَّ عِزّاً، ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رفعه0 وعن أَنس رضي اللَّه عنه أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبيانٍ فَسَلَّم عَلَيْهِم وقال: كان النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَفْعَلُهُ. متفقٌ عليه. عنه قال: إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِن إِمَاءِ المَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيثُ شَاءَتْ. رواه البخاري. وعن الأسوَد بنِ يَزيدَ قال: سُئلَتْ عَائِشَةُ رضيَ اللَّه عنها: ما كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَصنعُ في بَيْتِهِ ؟ قالت: كان يَكُون في مِهْنَةِ أَهْلِهِ يَعني: (خِدمَةِ أَهلِه) فإِذا حَضَرَتِ الصَّلاة، خَرَجَ إِلى الصَّلاةِ، رواه البخاري. وعن أبي رِفَاعَةَ تَميم بن أُسَيدٍ رضي اللَّه عنه قال: انْتَهَيْتُ إِلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وهو يَخْطُبُ. فقلتُ: يا رسولَ اللَّه، رجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عن دِينِهِ لا يَدري مَا دِينُهُ ؟ فَأَقْبَلَ عَليَّ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وتَركَ خُطْبتهُ حتى انتَهَى إِليَّ، فَأُتى بِكُرسِيٍّ، فَقَعَدَ عَلَيهِ، وجَعَلَ يُعَلِّمُني مِمَّا عَلَّمَه اللَّه، ثم أَتَى خُطْبَتَهُ، فأَتمَّ آخِرَهَا. رواه مسلم 0 أيها الاخوة : هذا غيظ من فيظ تواضعه صلى الله عليه وسلم , ومن تتبعه عرف 0 ألا فلتتقوا الله وليكن قدوتكم نبيكم لعلكم تفلحون ......... اقول قولي هذا
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ...........................
أيها الإخوة المسلمون : في مجتمعنا اليوم صور عديدة من صور هذه الآفة المشينة ( الكبر ) دعت الناس المتكبرين إلى انتحالهم هذه الصفة الذميمة عدة أمور تتعلق بجوانب عدة في الحياة والنتيجة لوعلمت الحقيقة : لا شيء إلا الفتنة والافتتان 0 تكبر أناس عن طريق الحسب والنسب فافتخروا بالآباء والأجداد وهؤلاء كالذي تعزز بكمال غيره , ولو علم أن أباه القريب كان نطفة قذرة , وأباه البعيد كان من تراب لما تكبر0
وتكبر أناس من جهة المال والغنى , ولو تأملوا حال اليهود وغناهم وجمعهم للدرهم والدينار فما أغنت عنهم من عذاب الله من شيء , بل زادت في عذابهم , فأفٍ لشرف تسبق اليهود إليه , ويسلبه السارق في لحظة , فيعود صاحبه فقيرا ذليلا 0 وتكبر أناس من باب العلم والمعرفة : ولو علموا ان المسؤولية والحجة على العالم أخطر منها على الجاهل لتمنوا ان لم يعلموا , وان حقيقة العلم بعث التواضع ونبذ التكبر 0
وتكبر أناس من جهة الجاه والوصول إلى المسئولين فقربوا هذا وابعدوا ذاك0 وتكبر أناس من جهة مكانتهم الاجتماعية ووظائفهم فلم يقضوا لذي حاجة حاجته بل أضرا بأناس على حساب آخرين فلهم الويل يوم الدين 0 ومن العجيب الغريب أنه تكبر أناس على لا شيء , وإنما هو حديث النفس والزهو واحتقار الآخرين ليس إلا 0
أيها الإخوة : الكبر أقسام وأنواع منوعة , فمن هذه الأقسام والأنواع التكبر على الله عز وجل . وهو أفضع أنواع الكبر وأخبثها .ومن أمثلته قول فرعون : أنا ربكم الأعلى . وقول النمرود لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام : قال أنا أحيي و أميت .وقول كفار قريش حين أمروا بالسجود للرحمن : قالوا : ( وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا)
ومنها : التكبر على رسل الله عليهم الصلاة والسلام وهو شنيع ولكنه أقل من الأول 0 ومن أمثلته قول فرعون ومن معه : أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهم لنا عابدون 0 وقول كفار العرب في شأن الرسول عليه الصلاة والسلام :) لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ) ( . .. وقالوا و لا نٌزل هذا القرآن على رجلاً من القريتين عظيمِ ).. يعنون أنه لو كان الله اختار رسولاً فلماذا لم يجعله واحداً عظيماً غنياً من مكة كالوليد بن المغيرة ، أو من الطائف كعروة بن مسعود الثقفي ؟ ومن أنواع الكبر : التكبر على الناس من غير المرسلين وهو شنيع ولكنه أقل من الثاني 0 ومن أمثلته قول إبليس في حق آدم
(قال أنا خير منه خلقتني من نارَ وخلقته من طين ) ..وهذا في أصله تكبر على خلق الله ولكنه جر إبليس إلى التكبر على الله تعالى .وكثيراَ ما يقع ، حيث يستكبر العبد على الله تعالى لأنه سمع النصيحة من عبد من عباد الله0 هذه الآفة أيها الإخوة لها علاج كما لغيرها من الآفات فمن وسائل العلاج : تذكير النفس بالعواقب و الآثار المترتبة على التكبر سواءَ أكانت دنيوية ، أم أخروية . ومنها : الابتعاد عن صحبة المتكبرين ، ومصاحبة المتواضعين المخبتين ، فربما تعكس هذه الصحبة بمرور الأيام شعاعها عليه . ومنها : مجالسة ضعاف الناس وفقرائهم وذوي العاهات منهم ، بل ومؤ كالتهم ومشا ربتهم ، كما كان يصنع النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام ، وكثير من السلف ، فإن هذا مما يهذب النفس وتجعلها تقلع عن غيها ، وتعود إلى رشدها . ومنها : التفكر في النعم التي تحيط به ، وكيف تكون حاله لو سلبٌت منه ؟ فإن ذلك التفكر يحرك النفس ويجعلها تشعر بخطر ما هي فيه ، إن لم تبادر بالتوبة والرجوع إلى نفس المصير . ومنها : النظر في سير و أخبار المتكبرين ،كيف كانوا ؟ وإلى أي شيء صاروا ؟ فإن ذلك مما يخوف النفس ويحملها على التوبة خشية أن تصير إلى نفس المصير . ومنها : حضور مجالس العلم التي يقوم عليها علماء ثقات لا سيما مجالس التذكير والتزكية ، فإن هذه المجالس لا تزال بالقلوب حتى ترق وتلين ، وتعود إليها الحياة من جديد .
وهناك أسباب كثيرة وكثيرة غير ما ذكر لعل المسلم يتلمسها ويعلم من كان واقعا في شيء من هذه الآفة ما هو العلاج النافع والناجع في حق نفسه فيسلكه 0
فلتحرصوا عباد الله على تطهير النفوس والقلوب من ادرأنها فالله تعالى يقول ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )
اللهم طهر قلوبنا مما لا يرضيك , واسلك بنا سبل النجاة.......... الخ
|