الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون:
اتقوا الله تعالى واشكروه على أن هداكم للإسلام وبلغكم هذه الأيام المباركة الفاضلة وجعلكم ممن يشاركون المسلمين في هذا اليوم العظيم ــ يوم النحر ويوم الحج الأكبر ــ الذي هو من أفضل أيام الدنيا.
هو يوم النحر لكثرت ما يراق فيه من دم الهدي والأضاحي تقرباً إلى الله وحده لا شريك له ( فصل لربك وانحر )
وهو يوم الحج الأكبر لأن الحجاج يقومون بمعظم أعمال الحج: " رمي الجمار وذبح الهدي والحلق أو التقصير وطواف الإفاضة " .
عباد الله:
لقد بعث الله تعالى رسله من أجل أمر واحد فقط, ألا وهو إفراد الله تعالى بالعبادة الظاهرة والباطنة, من صلاة وصيام ودعاء وذبح ونذر واستغاثة واستعاذة واستعانة ورجاء وتوكل
قال تعالى: ( قل إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ) فَمَنْ صرف شيئا من هذه العبادات لغير الله فهو مشرك كافر, وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم.
عباد الله:
إن الأضاحي عبادة عظيمة وشعيرة من شعائر الله فلا ينبغي لمن وجد سعة أن يتركها، ولكن لا بد من مراعاة الشروط الشرعية فيها:
أولها: بلوغ السن المعتبر شرعاً،
وهو خمس سنوات في الإبل، وسنتان في البقر، وسنة في الماعز، وستة أشهر في الضأن.
الثاني: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع من ذبحها، روى أحمد والترمذي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أربعٌ لا تجزئ في الأضاحي العرجاء البيّن ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء ـ وهي الهزيلة التي لا تنقي )
الثالث: أن تذبح الأضحية في الوقت المحدد شرعاً ويبدأ بعد الفراغ من صلاة العيد وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق،
والأفضل في يوم العيد نهاراً ولا بأس في الذبح ليلاً، وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه أنه قال: ( كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ).
عباد الله:
إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال, ولذلك ذكر الله تعالى في كتابه صفات المؤمنين ليبيّن لنا أن الإيمان الذي في القلب لابد وأن يظهر على أقوال العبد وأفعاله.
قال تعالى: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ).
وقال تعالى: ( قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم للزكاة فاعلون * والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون * والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون * والذين هم على صلواتهم يحافظون* أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ).
وقال تعالى: ( إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم إذا تليت عليهم آياته زد اتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ).
فالمؤمنون إخوةٌ متوادون متحابون متباذلون, بعضهم أولياء بعض, لا يحسد بعضهم بعضا, ولا يغش بعضهم بعضا, ولا يتناجشون ولا يتدابرون, ولا يتعادون, ولا يخون بعضهم بعضا.
والمؤمنون يحافظون على الصلاة كما أمر الله ويحرصون على القيام بها على أكمل وجه, ويخشعون فيها، والمؤمنون يتناصحون فيما بينهم ويُقَوِّم بعضهم بعضا،
والمؤمنون يحفظون ألسنتهم عن اللغو المحرم, والمؤمنون يؤدون زكاة أموالهم ويطيعون الله ورسوله، والمؤمنون يحفظون فروجهم عن الزنا واللواط وسائر الاستمتاع المحرم, ويبتعدون عن الوسائل المفضية إلى الزنا،
والمؤمنون يؤدون الأمانة ويحاربون الغدر الخيانة، ويُكثرون من ذكر الله وتخاف قلوبهم عند ذكر ربهم وتُعَظِّمُهُ وتُجلَّهُ, ويزدادون علماً وإيماناً عند تلاوة القرآن،
هذه جملة من صفات المؤمنين وهذا هو الإيمان الذي هذه آثاره فمن لم يجد هذه الآثار في قلبه وجوارحه فليراجع إيمانه وليحاسب نفسه في ذلك.
الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر، الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله:
في مثل هذا اليوم العظيم خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى وحرَّم الدماء والأعراض والأموال فقال: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا )، فاتقوا الله تعالى ولا تهاونوا في هذا الأمر العظيم، فاحذروا الغيبة والنميمة والقذف والسب والشتم, وعظِّمُوا حُرُمات المسلمين ودمائهم وأموالهم، وتذكّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتدرون ما المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار).
إنَّ من أعظم أسباب ضعف الإيمان:
حب الدنيا وعدم ذكر هادم اللذات الموت، بل إن ذلك من أسباب تسلط العدو على المسلمين، روى أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يُوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت )، فإيّاكم والانغماس في الدنيا والتعلق بها فإنها لا تزن عند الله جناح بعوضة, واجعلوها بأيديكم لا بقلوبكم. إن سعيتم في طلبها فاجعلوا ذلك من أجل الاستعانة بها على طاعة الله.
وتذكّروا الموت دائماً, الموت الذي لا يعرف الصغير ولا الكبير ولا الحر ولا العبد ولا الأمير ولا الفقير.
تذكّروا لحظة الموت التي تنزل فيها الملائكة, فلا تدرون: أَهم ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب. أَيُقال لروحك: أيتها الروح الطيبة أم أيتها الروح الخبيثة،
اذكروا الموت ذكراً يجعلكم تستعدون بطاعة الله وتقبلون على الله كما أمر الله قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ).
الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
اللهم يسر للحجيج حجهم, اللهم اجعل حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفورا، واحفظهم من كل مكروه, اللهم ردهم إلى أهليهم وأوطانهم سالمين غانمين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح شبابنا وشباب المسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم مَنْ أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء، اللهم احفظ ولي أمرنا, اللهم وفقه بتوفيقك وأيّده بتأييدك واجعله من أنصار دينك, وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاحُ أمر الإسلام والمسلمين يا رب العالمين .
اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد .
|