بمناسبة حج 1429هـ
الحمد لله ؛ شرع لعباده حج بيته الحرام ، وجعله مطهرا لنفوسهم من الذنوب والآثام ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفضل من صلى وصام ، ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام ، وسلم تسليما طيبا مباركا على الدوام .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U القائل : ) وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ( واعلموا يا عباد الله ؛ بأن الحج ؛ ركن من أركان الإسلام ، جعله الله U فريضة على من استطاع إليه من عباده ، كما قال تعالى : ) وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ( ، ففي هذه الآية ، الدليل على وجوب الحج ، على من استطاع إليه سبيلا ، أي من ملك زادا وراحلة وصحة وأمنا . نعم ـ أيها الأخوة ـ السبيل هو الزاد والراحلة والصحة وأمن الطريق ، ) وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ( . وقد بين الرسول e أن الإسلام ، الذي هو ديننا ، بين أنه مبني على أركان خمسة ، لا يقوم إلا بها ، ولا يكمل إلا بتواجدها ، منها : الحج ، ففي الحديث يقول e : (( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان )) .
وفي حديث جبريل عليه السلام ، حينما سأل النبي e فقال : يا محمد ؛ أخبرني عن الإسلام ! فقال e : (( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا )) .
فالحج ركن من أركان الإسلام ، وحكمه : الوجوب مرة واحدة في العمر ؛ على كل مسلم بالغ عاقل مستطيع ، وقد جعل الله U عدم القيام به ممن استطاع عليه بمثابة الكفر كما في قوله تعالى : ) وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ( .
فينبغي للمستطيع ، أن يبادر لتأدية فريضة الحج ، وأن يجعل الحج في مقدمة اهتماماته . على المسلم ؛ أن يحذر التقاعس والتسويف ، لأنه لا يدري ما ذا يحدث له ، يقول النبي e : (( من لم تحبسه حاجة ظاهرة ، أو مرض حابس أو منع من سلطان جائر ، ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا )) .
ومما أثر عن السلف الصالح ، أنهم كانوا يبادرون لتأدية فريضة الحج ، ويحذرون من تأخيرها ، يقول عمر بن الخطاب t : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار ، فينظروا كل من له جده ـ يعنى غنى ، يعني لديه مال ـ ولم يحج ، فيضربوا عليهم الجزية ، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين . ويقول علي ابن أبي طالب t : من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى البيت ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا .
فالله ... الله ؛ أخي المسلم ، بادر لإكمال دينك ، وإتمام أركان إسلامك ، قم بهذا الركن العظيم ، وإياك والتسويف والتأجيل . أغتنم ـ يا عبد الله ـ غناك قبل فقرك ، وصحتك قبل مرضك ، وشبابك قبل هرمك . بل اغتنم حياتك قبل موتك . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ) وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ( .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا هو تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد أيها المسلمون :
أعلموا رحمني الله وإياكم ، بأن أيام العشر الأول ، من شهر ذي الحجة ، أيام لها فضل عظيم ، أقسم الله بها لفضلها ، فقال : ) وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ ( ، فعظموا هذه الأيام ، واعمروها بالأعمال الصالحة ، فإن العمل فيها ليس كالعمل في غيرها ، العمل فيها من المحبوبات عند الله ، يقول الرسول e : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر )) . قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال e : (( ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )) .
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله e : (( ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
وأذكر من أراد أن يضحي في هذا العام ، وأنتم إن شاء الله كذلك ـ أذكركم بأن من أراد أن يضحي فأن عليه أن يحرم إحرام الأضحية ، فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئا ، منذ دخول الشهر حتى يذبح أضحيته ، هذا هو هدي النبي e ، ففي الحديث يقول : (( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره )) وفي رواية : (( فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي )) .
اسأل الله لي ولكم الفقه في الدين ، والتمسك بالكتاب المبين ، والإقتداء بسيد المرسلين ، والسير على نهج أسلافنا الصالحين .
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم أحمي حوزة الدين ، اللهم واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين .
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا ، سحا غدقا مجللا ، عاجلا غير آجل ، اللهم اسق بهائمك وبلادك وعبادك ، اللهم انشر رحمتك على بلدنا الميت ، اللهم اسقنا سقيا رحمة تدر بها الضرع ، وتنبت بها الزرع ، اللهم سقيا رحمة لا عذاب ولا هدم ولا غرق ، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله :
) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( .
فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . |