بمناسبة الحج 1434هـ
الحمد لله ذي الجلال والإكرام ، و صاحب الفضل والجود والإنعام . أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، جعل الحج ركنا من أركان الإسلام ، ووسيلة للتطهير من الذنوب والآثام .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أفضل من صلى وزكى وصام ، وحج إلى بيت الله الحرام ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام ، ومن سار على نهجه ، وتمسك بسنته ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، فيا عباد الله :
تقوى الله U ، خير زاد يتزود به المسلم ، في حياته لما بعد مماته : } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ { ، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا { ، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
صح في الحديث عَنْ أَنَسٍ t أنه قَالَ : كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r عَنْ شَىْءٍ ـ يشير t إلى قوله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ { ـ يقول t : وَكَانَ يُعْجِبُنَا ؛ أَنْ يَأْتِيَهُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ، فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ . فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ! أَتَانَا رَسُولُكَ ، فَزَعَمَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ قَالَ r : )) صَدَقَ )) . قَالَ : فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ : (( اللَّهُ )) . قَالَ : فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ قَالَ : (( اللَّهُ )) . قَالَ : فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ؟ قَالَ : (( اللَّهُ )) . قَالَ : فَمَنْ جَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ؟ قَالَ : (( اللَّهُ )) . قَالَ الأعرابي : فَبِالَّذِى خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ ، وَجَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ ؛ آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ r : (( نَعَمْ )) . قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا ! قَالَ : (( صَدَقَ )) . قَالَ : فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ ! آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ : (( نَعَمْ )) . قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَدَقَةً فِى أَمْوَالِنَا؟ قَالَ : (( صَدَقَ )) . قَالَ : فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ ! آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ : (( نَعَمْ )) . قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ فِى سَنَتِنَا قَالَ : (( صَدَقَ )) . قَالَ : فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ ! آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ : (( نَعَمْ )) . قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً . قَالَ : (( صَدَقَ )) . قَالَ : فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ ! آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ : (( نَعَمْ )) . قَالَ : وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، لاَ أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ ، وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُنَّ . فَلَمَّا مَضَى ، قَالَ r : (( لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
من هذا الحديث ، يتبين لنا أهمية الحج ، وضرورة تأديته ، من قبل كل مسلم يملك زادا يكفيه ، وراحلة تحمله ، بالإضافة إلى وجود محرم للمرأة المسلمة ، فلن يكمل إسلام المرء ، إلا بهذا الركن العظيم ، ولذلك ـ أيها الأخوة ـ لَمَّا نَزَلَ قول الله تعالى : } وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرِ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ { . قَالَتِ الْيَهُودُ : فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَأَخْصَمَهُمْ بِحُجَّتِهِمْ ، يَعْنِى فَقَالَ لَهُمُ النَّبِىُّ r : (( إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) فَقَالُوا : لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا ، وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا . فقَالَ اللَّهُ U : } وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {.
ومما يبين ـ أيها الأخوة ـ أهمية الحج : جعله ركنا من أركان الإسلام ، ففي الحديث الصحيح ، يقول r : (( بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ )) بل ـ أيها الأخوة ـ مما يبين أهمية الحج ، أن الله U جعله واجبا من واجباته على عباده ، فقال ـ تبارك وتعالى ـ } وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ { فالذي يترك الحج ، وهو قادر عليه ، فقد ترك ما يجب لله U عليه ، والله غني عنه وعن حجه ، كما قال تعالى : } وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ { .
أيها الأخوة :
فيجب على المسلم ، المستطيعِ أن يبادر في الحج ، ولا يسوف في تأديته ، ولا يكون سببا في حرمان نفسه ، أجرا عظيما ، رتبه الله U على هذه العبادة العظيمة . لا سيما ـ أيها الأخوة ـ أن المرءَ إن كان في يومِه آمنًا صحيحًا مستطيعًا ، فإنه لا يدري ما سيحدث له في مستقبل أيامه ، يقول النبي r في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، عن ابن عباس مرفوعا : (( تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ )) يَعْنِي الْفَرِيضَةَ (( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ )) . وفي الحديث الصحيح ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ : (( أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا )) . فَقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَسَكَتَ ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ )) . فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ وليبادر من لم يحج ، لتأدية هذه الفريضة العظيمة ، والركن المهم من أركان الإسلام ، فما هو إلا مرة في العمر ، والعمر من صفاته ، وأبرز سماته ، النقص وعدم الزيادة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
} الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ { .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
وبمناسبة قرب موسم الحج ، وأهميته وضرورة تأديته لمن لم يوفق بالقيام به ، أذكر بأمور منها :
ضرورة وجود محرم للمرأة ، التي تريد الحج ، فلا يجوز للمرأة أن تسافر لحج ولا لغيره من دون محرم ، لقول النبي r في الحديث الذي رواه البخاري : (( لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثًا إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ )) ولكن لو حجت المرأة ، وليس معها محرم ، فإن حجها صحيح ، ولكنها تأثم لسفرها المخالف لأمر النبي r .
ومن الأشياء التي ينبغي التنبيه إليها ، الحج بدون تصريح من الجهات المختصة ، ففي هذا الخصوص يقول الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : أنا أرى أن الأنظمة التي لا تخالف الشرع يجب العمل بها ، فمثلاً : لو أن الحكومة قالت لمن لم يحج فرضاً : لا تحج مع تمام الشروط ، فهنا لا طاعة لها ؛ لأن هذه معصية ، الله أوجبه عليَّ على الفور وهذا يقول : لا تحج .
أما النافلة فليست واجبة ، وطاعة ولي الأمر فيما لم يتضمن ترك واجب أو فعل محرم واجبة.
إلى إن قال ـ رحمه الله ـ : ثم إني أقول لكم أيها الإخوة : طاعة ولاة الأمور أتظنون أنها طاعة بشرٍ لبشر؟! هل تعتقدون أن طاعة ولاة الأمور في غير معصية هل هو طاعة بشرٍ لبشر؟ لا. بل هي طاعة لله U ؛ لأن الله تعالى يقول : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ { فوجه القول بالإيمان يعني : من مقتضى إيمانكم أن تطيعوا الله وتطيعوا الرسول وأولي الأمر، فنحن إذا أطعنا ولي الأمر في غير معصية نتقرب بهذه الطاعة إلى الله U ، وتقربنا إلى الله بطاعة ولاة الأمور في عدم الحج هو طاعة ؛ طاعة واجبة ، وترك حج النفل ليس معصية. فلا أرى أن الناس يتكلفون ويخالفون ولي الأمر الذي في مخالفته مخالفة لله U ، في أمر له فيه سعة والحمد لله .انتهى مقاله ـ رحمه الله .
أيها الأخوة :
ونحن نتحدث عن أهمية الحج ، ننوه عن أمر مهم ، وخاصة في حج هذا العام ، حيث العمل في توسعة المطاف ، وتعذّر الطواف في الأماكن التي كان يطاف من خلالها سابقا ، وهذا لا شك يؤدي إلى ازدحام الطائفين ، ولذلك رأى ولاة أمرنا ، حرصاً على سلامة الحجاج ، واستناداً على يسر الدين وسماحته ، تخفيض أعداد الحجاج ، فينبغي للمسلم ، الذي وفقه الله U لتأدية فريضة الحج ، أن لا يضايق الحجاج في تأدية ما فرض الله عليهم ، وأبواب الخير ولله الحمد كثيرة ومتنوعة ومتوفرة ، والمؤمن البصير هو الذي يتخير منها ما يراه أليق بحاله وواقعه ، وأرفق بزمانه وبيئته .
اسأل الله U ، أن يجعلنا من الذين يستمعون القول ، فيتبعون أحسنه ، وأن يجعل ما سمعنا حجة لنا لا علينا إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أهدنا ، ويسر الهدى لنا ، واجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الجنة ، وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أوعمل . اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا سميع الدعاء .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-120.html
وللمزيد من الخطب السابقة عن موسم الحج تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-130.html
|