لِلْكِرَاْمِ بَعْدَ حَجِّ هَذَاْ اَلْعَاْمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَبِفَضْلِهِ تَتَنَزَّلُ الْخَيْرَاتُ وَالْبَرَكَاتُ، وَبِتَوْفِيقِهِ تَتَحَقَّقُ الْمَقَاصِدُ وَالْغَايَاتُ، ﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: تَقْوَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصِيَّتُهُ لِعِبَادِهِ، يَقُولُ - عَزَّ وَجَلَّ – فِيْ كِتَاْبِهِ : ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ - عِبَادَ اللَّهِ – جَعَلَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾، فَالْفَرَحُ بِمَا يَتَفَضَّلُ بِهِ اللَّهُ -- عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى عِبَادِهِ؛ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، وَمِنْ ذَلِكَ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- تَوْفِيقُهُ لِحُجَّاجِ بَيْتِهِ، فَقَدِ انْتَهَى مَوْسِمُ الْحَجِّ، وَعَادَ أَكْثَرُ الْحُجَّاجِ إِلَى بُلْدَانِهِمْ، بَعْدَ تَأْدِيَةِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ إِسْلَامِهِمْ، وَأَفْضَلِ عَمَلٍ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَجِهَادِهِمْ فِي سَبِيلِ رَبِّهِمْ، فَفِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». فَهَنِيئًا لِلْحُجَّاْجِ حَجُّهُمْ، وَهَنِيئًا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ يَهْتَمُّ لِسَعَادَةِ إِخْوَانِهِ وَسَلَامَةِ شَأْنِهِمْ، وَيَفْرَحُ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ لِقِيَاْمِ اَلْمُسْلِمِيْنَ بِوَاْجِبٍ مِمَّاْ يَجِبُ لِرَبِّهِمْ ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ ، وَمِنْ ذَلِكَ تَوْفِيقُ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ - لِهَذِهِ الدَّوْلَةِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي بَذَلَتِ الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ؛ فِي سَبِيلِ تَنْظِيمِ الْحَجِّ، وَتَيْسِيرِهِ وَتَسْهِيلِهِ لِلْحُجَّاجِ فِي رِحْلَةِ حَجِّهِمْ. وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ؛ مَا آلَتْ إِلَيْهِ نُفُوسُ الْمُتَرَبِّصِينَ الْحَاقِدِينَ عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ، وَعَلَى مَنْ شَرَّفَهُمُ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ - بِخِدْمَةِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ وَضُيُوفِهِ، وَمَسْجِدِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَزُوَّارِهِ، الْأَفَّاكِينَ الْكَاذِبِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الدِّينَ مَطِيَّةً لِأَفْكَارِهِمُ الضَّالَّةِ، وَمَنَاهِجِهِمُ الْمُنْحَرِفَةِ، وَمَقَاصِدِهِمُ الْخَبِيثَةِ، الَّذِينَ يَصْدُقُ عَلَى أَكْثِرِهِمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ . إِنَّ هَؤُلَاءِ وَأَذْنَابَهُمْ، وَمَنْ أَثَّرَتْ عَلَيْهِ أَفْكَارُهُمْ وَوَافَقَ مَنْهَجُهُ مَنْهَجَهُمْ، وَسَارَ عَلَى سُبُلِهِمْ، يُؤْثِرُونَ مَصَالِحَ أَحْزَابِهِمْ، وَيُفَضِّلُونَ مَنَافِعَ جَمَاعَاتِهِمْ، عَلَى مَصَالِحِ وَمَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِذَلِكَ يَنْعِقُونَ مِنْ عَلَى مَنَابِرِهِمْ، وَيَتَقَيَّئُونَ مَا فِي دَوَاخِلِهِمُ الْخَبِيثَةِ عَبْرَ مَا يَبُثُّونَ فِي مَوَاقِعِهِمْ، لِلتَّهْوِينِ مِمَّا يَرَاهُ النَّاسُ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَيُشَاهِدُهُ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ، مِنْ جُهُودٍ جَبَّارَةٍ، وَخِدْمَاتٍ هَائِلَةٍ، تُقَدَّمُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ لِضُيُوفِ الرَّحْمَنِ، وَصَدَقَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾. نَعَمْ؛ مَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ؛ وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ سُوءِ فِعَالِهِمْ، وَخُبْثِ أَقْوَالِهِمْ، وَقَبِيحِ أَحْوَالِهِمْ، يَجْحَدُونَ حَسَنَاتٍ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، وَيَبْحَثُونَ عَنِ الْقَاذُورَاتِ كَالذُّبَابِ، وَكَمَا قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - : ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ ، فَمُوتُوا بِغَيْظِكُمْ، فَهَذِهِ الْبِلَادُ شِئْتُمْ أَمْ أَبَيْتُمْ هِيَ قِبْلَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَأْرَزُ الدِّينِ، وَالْقَائِمَةُ عَلَى الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ. مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ يَا كِلَابَ النَّارِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾. بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ عَلَيْنَا وَاجِبٌ عَظِيمٌ، وَخَاصَّةً فِي مَجَالِ مَا يُكَادُ بِهِ لَنَا، وَلِعَقِيدَتِنَا، وَلِوُلَاةِ أَمْرِنَا، وَيَتَلَخَّصُ ذَلِكَ بِأَنْ نَتَّقِيَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَنَسْمَعَ وَنُطِيعَ لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَنَا، وَأَنْ نَعْمَلَ بِوَصِيَّةِ نَبِيِّنَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ، فِي حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ ، لَمَّا قَالَ الصَّحَابَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ أَوْصِنَا، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : «عَلَيْكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». أَسْأَلُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا خَالِصًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ. أَلَا وَصَلُّوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، يَقُولُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُودِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامِ وَانْصُرِ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ، وَاجْعَلْ بَلَدَنَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالتُّقَى، وَالْعَفَافِ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا سُعَدَاءَ، وَتَوَفَّنَا شُهَدَاءَ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْأَتْقِيَاءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ . عِبَادَ اللهِ : ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
|