الحج المبرور وأحكام الأضحية
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:- عباد الله:
اتقوا الله تعالى واعلموا أنكم ملاقوه, واستعدوا بطاعة الله قبل الموت لما بعد الموت.
ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).
والحج المبرور يا عباد الله له شروط:
أولها: أن يكون خالصاً لوجه الله, قال تعالى: ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ). وروى النسائي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه ). فمن حج رياءً أو سمعة, أو من أجل المال أو مجاراةً للآخرين أو غير ذلك مما يُبْتَغى به غير الله فحجه مردود وغير مقبول.
الشرط الثاني:
متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم, لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال: ( لتأخذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ), ولمسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحصل إلا بالتفقه في أحكام الحج وتعلَّمَها, وإن مما يُؤسف له أن كثيراً من الناس يذهبون إلى الحج وهم يجهلون أحكامه, فيقعون في مخالفات كثيرة عند الميقات, أو في الطواف, أو الرمي, أو غير ذلك من أعمال المناسك.
فينبغي على الحاج أن يقرأ فقه المناسك أو يسمع الأشرطة أو يحضر الندوات والمحاضرات المتعلقة بأحكام الحج, مع الحرص على مرافقة طلاب العلم وسؤالهم.
الشرط الثالث من شروط الحج المبرور:
ترك الذنوب والمعاصي, لقوله عليه الصلاة والسلام: ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والرفث: هو الجماع ومقدماته. والفسوق: هو سائر الذنوب والمعاصي التي حرمها الله تعالى على عباده.
وأعظم الذنوب يا عباد الله:
الشرك بالله, فإن الشرك محبط للعمل ولا تنفع معه حسنة. فمن دعا غير الله أو استغاث بغيره أو ذبح لغيره سبحانه أو اعتقد أن غير الله يعلم الغيب أو يتصرف في الكون, أو اعتقد في الأموات والمقبورين فدعاهم وطلب منهم جلب منفعة أو دفع مضرة, أو ذبح للجن خوفاً من شرهم أو رجاء نفعهم, فإنه مشرك كافر, لأن العبادة لا تُسَمَّى عبادة إلا مع التوحيد, كما أن الصلاة لا تصح من العبد إلا بالطهارة, فإذا أحدث بطلت صلاته.
ثم بعد الشرك: البدع, وهي العبادات التي لم تشرع في الكتاب والسنة. ثم سائر المعاصي كأكل الحرام والزنا والغيبة والنميمة والكذب, وسماع الأغاني وشرب الدخان والنظر إلى النساء وغير ذلك مما حرم الله.
ثم اعلموا يا عباد الله أنه يجب على الحاج ن تكون نفقة حجه وعمرته من كسب طيب, لا من كسب حرام, فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد:- عباد الله :
اتقوا الله تعالى, واعلموا أن من أراد أن يضحي, فلا بد أن يمسك عن شعره وأظفاره كما سبق بيانه في الخطبة الماضية.
ولا يعني ذلك أن لا يمتشط أو يحك رأسه فإن مشط الشعر جائز حتى ولو أدى إلى سقوط بعش الشعر. وكذلك الاغتسال واستعمال المنظفات والطيب وصبغ الشعر والجماع. كل ذلك جائز.
ثم اعلموا يا عباد الله:
أن وقت ذبح الأضحية يبدأ بعد صلاة العيد لا قبلها, ويمتد إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر, ويجوز الذبح ليلاً ونهارا. والسنة أن يتولى المضحي ذبح أضحيته بنفسه إذا كان يُحسن الذبح, لأن النبي صلى الله عليه ذبح بنفسه,( فضحى بكبشين أملحين أقرنين, وضع رجله على صفاحهما )، وفي لفظ: ( ذبحهما بيده )، وفي لفظ قال: ( بسم الله والله أكبر )، فالتسمية على الذبيحة واجبة, وما زاد على ذلك فإنه سنة, وذلك بأن يزيد : الله أكبر. اللهم هذا منك ولك, اللهم تقبل مني.
وأما ما يفعله بعض العامة من أنهم يأتون بالأضحية فيمسحون على ظهرها أثناء ذكر أسماء من يضحون عنهم فلا أصل له.
ثم اعلموا يا عباد الله:
أنه لا تشترط الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر لمن يتولى الذبح, إلا أن الطهارة أفضل. وكذلك يجوز للمرأة أن تتولى الذبح بنفسها ولا يشترط أن تكون طاهرة من الحدث الأكبر أو الأصغر, وإن كانت الطهارة أفضل كما سبق.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم يسر للحجيج حجهم, اللهم اجعل حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفورا، واحفظهم من كل مكروه, وردهم إلى أهليهم وأوطانهم سالمين غانمين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم ألف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام يا ذا الجلال والإكرام.
|