خطبة عيد الأضحى 1433 هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر, الله أكبر الله أكبر الله أكبر, الله أكبر الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله , الله أكبر الله أكبر ولله الحمد , الله أكبر كبيراً, والحمد لله كثيراً .
الله أكبر عدد ما ذكره الحاجون وبكوا, والله أكبر عدد ما طافوا بالبيت الحرام وسعوا, الله أكبر عدد ما زهرت النجوم وتلاحمت الغيوم, والله أكبر عدد ما أمطرت السماء, وعدد ما غسق واقب أو لاح ضياء, الله أكبر عدد خلقه وزنة عرشه و مداد كلماته, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر كبيراً . أما بعد:
فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه، فاتقوه في المنشط والمكره، والغضب والرضا، والخلوة والجلوة.
أيها المسلمون، إن الناس ما زالوا منذ أذن فيهم إبراهيم عليه السلام بالحج يفدون إلى بيت الله الحرام في كل عام من أصقاع الأرض كلها، وأرجاء المعمورة جميعها، مختلفةً ألوانهم، متمايزة ألسن، (( وَأَذّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ )) [الحج:27].
إن الحجاج إذ يستبدلون بزيهم الوطني زي الحج الموحَّد، ويصبحون جميعاً بمظهر واحد لا يتميز شرقيهم عن غربيهم، ولا عربيّهم عن عجميهم، كلهم لبسوا لباساً واحداً، وتوجهوا إلى رب واحد، بدعاء واحد، وتلبية واحدة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لهو خير شاهد على عظمة هذا الدين وحبه لربط أواصل الرحمة بين أوليائه.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
إن الله عز وجل يوم شرع الحج للناس أراد فيما أراد من الحكم أن يكونوا أمة واحدة، متعاونةً متناصرة، متآلفة متكاتفة، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
أيها المسلمون: ما أحوجنا أن نخلص نفوس أبنائنا من الأنانية والبغضاء والكراهية والشحناء، ونرتقي بهم إلى التمسك بديننا الحنيف كما أراد الله لعباده المؤمنين، (( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * فَإِن زَلَلْتُمْ مّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) .
فمن أجل التوحيد بُني بيت الله، لئلا يعبد إلا هو وحده: (( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرٰهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئا )) [الحج:26]، ، فقد حطّم المصطفى صلى الله عليه وسلم الأصنام من حول الكعبة، وعلى رأسها أعلاها وأعظمها هُبل، وهو يردد: (( وَقُلْ جَاء ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا )) [الإسراء:81].
لقد تمثّل التوحيد في الحج من خلال التلبية، وفي قراءة سورة الكافرون، وقل هو الله أحد في ركعتي الطواف، وتمثل في خير الدعاء، وهو دعاء يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وتمثل قبل ذلك في التلبية
إذاً فالتوحيد - عباد الله - هو أصل الأصول وغاية إرسال الرسل -عليه الصلاة والسلام- وهو الحقيقة التي ينبغي أن نغار عليها، ونصونها من كل شائبة، فالتوحيد وسيلة كل نجاح، وشفيع كل فلاح، يطوِّل القصير، ويقدم الأخير، ويُعلي النازل، ويُشهر الخامل، وما شُيِّد مُلك إلا على دعائمه، ولا زال ملك إلا على طواسمه، ما عزت دولة إلا بانتشاره، ولا زالت وذلت إلا باندثاره.
ألا وإن معظم الشرور والنكبات التي أصابت أمة الإسلام، وأشد البلايا التي حلت بها إنما كانت بسبب ضعف التوحيد في النفوس، وما تسلط من تسلط من الأعداء، وتعجرف من تعجرف، وغار من غار على حياض المسلمين، واستأصل شأفتهم إلا بسبب ضعف التوحيد
لقد ابْتُلِيَ كثيرُ من الناسِ بالجهل بالتوحيد حتى لم يعرفوا حق الله وحق العبد، ومزجوا بعض ما لله فجعلوه للعبد، حتى انحاز بعضهم إلى أصحاب القبور، وتضّرعوا أمام أعتابها وتمسّحوا بها، واستغاثوا بأهلها في الشدائد والكروب، بل لقد كثر مروِّجوها والداعون إليها، من قبوريين ومخرفين.
لقد قصر أناس مع التوحيد، فتقاذفتهم الأهواء، واستحوذت عليهم الفتن والأدواء، فمن مفتون بالتمائم والحروز، يعلّقها عليه وعلى عياله، بدعوى أنها تدفع الشر، وتذهب بالعين، وتجلب الخير، والله تعالى يقول: (( وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌ )) [الأنعام:17].
لقد قصّر جمع من المسلمين مع التوحيد، فافتُتِنُوا بالمشعوذين والدجاجلة الأفاكين، من سحرة وعرافين ونحوهم، والذين يأكلون أموال الناس بالباطل، بدعوة أنهم يكاشفونهم بأمور الغيب، فيما يُسمى بمجالس تحضير الأرواح، أو قراءة الكف والفنجان، ليكاشفوا الناس على حد زعمهم عما سيحدث في العالم خلال يوم جديد أو أسبوع سيطل أو شهر أوشك حلوله أو عام مرتقب، ((قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وٱلأرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)) [النمل:65]، ناهيكم ـ عباد الله ـ عن اللَّتِّ والعجن عبر الصحف والمجلات ومواقع الانترنت ونحوها فيما يُسمى: قراءة الأبراج ومستقبلها.
لقد قصّر جمع من المسلمين مع التوحيد حتى تعلقوا بالدنيا محبة وبغضا وتعلقوا بالماديات فنحب من أجل الدنيا ونبغض من أجل الدنيا وقد حذرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فقال: ( اتَّقُوا الدَّنيا ) ولم يخف علينا من الفقر وشدته بل خاف علينا ما هو أشد التعلق بالدنيا ( فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ )
لقد قصّر جمع من المسلمين مع التوحيد حتى ظن بعضهم بالله ظن السوء من أن الله لا ينصر رسوله وأولياءه المتقين كحالنا الراهن وتناسوا أن تأخير النصر لحكمة أرداها الله علمها من علمها وجهلها من جهلها (( أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )) [البقرة: 214].
لقد قصّر جمع من المسلمين مع التوحيد حتى ظنُّوا أن من أغناه الله فقد أحبَّهُ ومن أفقره فقد أبغضَهُ ولم يعلم هذا المسكين أن الله يبتلي الغني لينظر أيشكر أم لا ؟ ويبتلي الفقير لينظر أيصبر أم لا؟ (( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ )) فيماه ابتلاءً .
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون، واجعلوا من عيدكم هذا صفحة جديدة بيضاء، يُصحح من خلالها الواقع المرير، من إزالة الغل والحسد والتعلق بغير الله .
أيها المسلمون، زيّنوا عيدكم بالتكبير وعموم الذكر، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( أيام العيد أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى )، وأدخلوا السرور على أنفسكم وأهليكم، واجعلوا فرحتكم بالعيد مصحوبة بتقوى الله وخشيته، ولا تُنفقوا أموالكم أيام العيد فيما حرم الله، يقول علي رضي الله عنه: "كل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد".
وإذا غدا المصلى لصلاة العيد من طريق سُنّ له أن يرجعَ من طريقٍ آخر، فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق. والسنة ألا يأكل قبل العيد شيئا فإذا انتهت صلاة العيد أكل من أضحيته .
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أيتها المرأة المؤمنة العفيفة حافظي على الصلاة في وقتها، وخافي من عقاب الله والزمي حدوده، وأطيعي زوجك بالمعروف وكوني عونا له على كل خير وصلاح، واحذري من الألبسة المخالفة للشرع خصوصا في أيام الأعياد، عوّدي بنتك منذ الصغر على اللباس المحتشم، وإياكِ أن تكون داعية سوء بأفعالكِ ولباسكِ, البسي العباءة الفضفاضة غير المزركشة ولا الفاتنة, كوني آمرةً بالمعروف ناهيةً عن المنكر بين أوساط النساء، واعتزّي بدينك, وإياكِ والركوب مع السائق الأجنبي من غير محرم, احفظي اللسان من الغيبة والكذب وكثرة الأيمان والنذور، احذري من المعاكسات والمحادثات المحرمة من خلال أجهزة الجوال الحديثة (( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً )) [ الأحزاب: 32].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد. اللهمّ وارضَ عن الخلفاء الراشدين..
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم يسر للحجاج إتمام نسكهم، واقبل منهم سعيهم وتجاوز عن تقصيرهم وشاركنا في أجورهم، وردهم إلى بلادهم وأهاليهم سالمين غانمين كيوم ولدتهم أمهاتُهم بلا ذنوب ولا عصيان، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها صغيرها وكبيرها علانيتها وسرها أولها وآخرها، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين،اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم نسألك يا أرحم الراحمين ويا خير الحافظين أن تحقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والمعتدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلهم وَزَلزِلِ الأَرضَ مِن تَحتِ أَقدَامِهِم، اللهم اشدد وطأتك عليهم وارفع عنهم عافيتك، وأنزل نقمتك بهم، يا قوي يا متين ، اللهم وفق وُلاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلّهم عليه يا رب العالمين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها ويتربص بها وبأهلها الشر والفتن، اللهم احفظها من كيد الكائدين وعدوان المعتدين ومن كل شر وفتنة يا رب العالمين، اللهم من أراد ديننا وبلادنا وحكامنا وعلمائنا وأمننا وشبابنا ونسائنا بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره في تدميره، وردّ كيده في نحره واجعله عبرة للمعتبرين يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين، اللهم اسقنا وأغثنا اللهم إنّا خلقٌ من خلقك فلا تمنع عنّا بذنوبنا فضلك، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك وانشر رحمتك، اللهم إنّا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم أنزل علينا من السماء ماءً مباركاً تغيث به العباد وتحيي به البلاد وتعمّ به الحاضر والباد، نستغفرك اللهم ونتوب إليك ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
|