خطبة عيد الأضحى المبارك
عام 1442هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ
من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا
هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً
عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وزواجه وذريته وأصحابه وسلم تسليما.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد
الله أكبر عدد خلقه، الله أكبر رضى نفسه، الله أكبر زنة عرشه، الله
أكبر مداد كلماته، الله أكبر عدد ما أحصى كتابه.
الله أكبر الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
أما بعد:
فـ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ
نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ))
عباد الله: أديموا الحمد لله والثناء عليه، لما يسبغه عليكم من النعم،
ويجدده لكم من الخيرات والفضائل، فلقد أنعم ربنا وتفضل علينا بإدراك عشر ذي الحجة وإتمامها
وشهود عيدها الكبير، فاللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما تحب وترضى.
عباد الله: يومكم هذا أعظم الأيام عند الله، يوم عيد الأضحى، آخر
الأيام المعلومات، وأول الأيام المعدودات، وهو يوم الحج الأكبر الذي يُلْقِي فيه
الحجاج تفثهم ويوفوا نذورهم ويطوفوا بالبيت العتيق.
ويوم شعائرٍ ومنسك، ينحر فيه المسلمون في أقطار
الأرض أضحياتهم ذاكرين مكبرين شاكرين، موجهين وجوههم وقلوبهم قِبَلَ ربِّ العالمين.
إنه يوم ذكر وشكر وأكل وشرب، يوم تكبير للعلي
الكبير، فكبروا الله تكبيرا كثيراً، وأبشروا فما كبر مكبر إلا بشر بالجنة، كبروا التكبير
المقيد أدبار الصلوات المكتوبات والتكبير المطلق في كل الأوقات.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد.
أيها الناس: خطبةُ عيد الأضحى، مقامٌ مناسبٌ للوصية والتذكير
بالثبات على الدين بأُصوله ومسلماته وقيمه العظام.
خاصة في زمانٍ كثُرَتْ فيه الفتنُ المائجة
بالناس، وبُسِطَتْ فيه الدنيا فغرت وأغرت بزخرفها وشهواتها.
أيها الناس: لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فتنة الدجال، وأنه سيعيث
في الأرض بالفساد، قال عليه الصلاة والسلام: (يا عباد الله فاثبتوا، يا عباد الله فاثبتوا، يا عباد الله فاثبتوا) صحيح أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه
الألباني.
نداءات متكررة من أنصح الخلق وأرحمهم وأشفقهم،
صلى الله عليه وسلم بالثبات عند الفتنة.
فالثباتَ الثباتَ يا أهل الإسلام على الإسلام، ((يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)).
أيقنوا بأن الإسلام أحسنُ الأديان ((وَمَنۡ أَحۡسَنُ
دِينا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٌ))، وأيقنوا أنه لا
يقبل الله ديناً سواه، وأن شريعته أكملُ الشرائع وأحكمُها، ولا يزعزعن يقينكم،
شبهاتُ الكافرين الواهنةُ، ولا تشكيك الزائغين الزائفة، ولا تشويه مرضى القلوب الذين
لا يوقنون، فو الله إنهم هم الظلاميون وإن ادعوا أنهم تنويريون، وهم الجاهليون
الرجعيون وإن ادعوا أنهم عِلْمَانيون حضاريون.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله
أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الثباتَ الثباتَ يا مؤمنون على الإيمان، بأركانه الستة، الإيمان بالله
وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
وأصل أصول الإيمان: (التوحيد) وهو إفراد الله بما يختص به، واليقين
بأنه الرب العظيم المتفرد بالخلق والرزق والملك والتدبير، والمستحق وحده للعبادة، فهو
الإله الحق، وما سواه باطل، وأنه ذو أسماءٍ حسنى وصفاتٍ عُلَى تليق بكماله وجلاله جل
وعلى.
لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفتن التي (يُرَقِّقُ
بَعْضُها بَعْضاً) في آخر الزمان، قال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: (فمَنْ أحَبَّ
مِنكمْ أَن يُزَحْزَحَ عَن النَّارِ ويَدْخُلَ الجَنَّةَ فلتَأْتِهِ مَنيّتُهُ
وهوَ يؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ) رواه مسلم
فيا مؤمنون:
إيمانُكُم أمانةٌ بينكم وبين الله، وميثاق أخذه
عليكم، فثبتوه بتعلم دلائل الربوبية وبراهين توحيد الألوهية.
واحذروا من السماع لأطروحات أهل الزيغ والضلال
والإلحاد، فقد حُذِّرنا من سنواتٍ خداعات، تنقلب فيها الموازين، وفتنٍ يصبح الرجل فيها
مؤمنا ويمسي كافراً.
فالحفاظ على الإيمان مسؤولية فردية ذاتية
بالمقام الأول، وهي أيضاً مسؤولية مجتمعية ومؤسساتية، فحفظ دين الناس من الضرورات
الخمس التي رعتها الشرائع كلها.
ويا أهل السنة الثبات الثبات على السنة، في ظل افتتان الناس بالبدعة، وتزيينها لهم في
وسائل الإعلام والاتصال.
لقد أوصاكم نبيكم صلى الله عليه وسلم وصية مودع
فقال: (عليكُم بسنَّتي ... تَمَسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنَّواجذِ) ثم حذركم
من البدع فقال: (وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمورِ، فإن كُلَّ مُحدَثَةٍ بدْعَةٌ، وكل
بدعَةٍ ضَلالةٌ) حديث صحيح
فالحذر الحذر من كل بدعة صغيرة ٍكانت أو كبيرة فهي
ضلالة في النار.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر،
ولله الحمد.
حافظوا على الصلوات عباد الله وداوموا عليها، ((وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ
يُحَافِظُونَ () أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡوَٰرِثُونَ () ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ
هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ))
لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، (فمن ترك
الصلاة فقد كفر)
عبادُ اللهِ الموفقون، ((رِجَالٌ ... لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَة وَلَا
بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ
يَخَافُونَ يَوۡماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ))
وعبادُ اللهِ المتقون، مما رزقهم الله ينفقون، لا تحملهم مخاوفٌ اقتصادية
ولا قيودٌ مالية، على منع زكاة أموالهم، ولا البخل بصدقاتهم.
ولا يمنعهم ارتفاع تكلفة الحج من أداء الفريضة العمرية
مع قدرتهم عليها.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله
أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: الالتزام
الالتزامَ بحدود
الله، والبعدَ البعدَ عن اقتراف محارم الله، فالله يغار على حرماته،
وإذا غار غضب ثم عاقب: ((وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُ))
فاتقوا المحارم تكونوا أعبد الناس، وحرمات
العباد مغلظة مضاعفة.
وصونوا أعراضكم أيها الشرفاء، ولا تفرطوا في القوامة
التي جعلها الله لكم على النساء، واحذروا فتنة النساء، فإنها أضر ما تكون على
الرجال.
أيها الناس:
من طلب الثبات بأسبابه وهبه الله إياه: ((يُثَبِّتُ
ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا
وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ))، فمن
أسباب الثبات:
الاهتداء بهدي القرآن وإقبال القلب عليه تلاوة وتدبرا
وعملاً، ((قُلۡ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ وَهُدى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ))
والسنة لا تنفك ولا تنفصل عن الكتاب، ومن عطلها
فقد عطل الدين، قال سيد المرسلين: (يا أيها الناس إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به
لن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنتي) حديث صحيح.
ومن وسائل الثبات: الصبر وتحمل مرارته، وعواقبه أحلى من العسل،
((يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ
إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ)) وقال صلى الله عليه وسلم: (فإن من ورائكم أيام
الصبر، الصبر فيها كالقبض على الجمر، للعامل فيها أجر خمسين يعملون مثل عمله) حديث
حسن
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد.
ومن وسائل الثبات: أن نفعل ما نذكر به في المواعظ من أوامر الله،
مواعظ الجمعة وغيرِها من مقامات التذكير والوعظ، قال الله تعالى: ((وَلَوۡ أَنَّهُمۡ
فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَيۡرا لَّهُمۡ وَأَشَدَّ تَثۡبِيتا))
ومن وسائل الثبات: كثرة ذكر الله، فذكر المحبوب عند الشدائد يثبت
القلب والقدم: ((يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةً فَٱثۡبُتُواْ
وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ))
ومن وسائل الثبات: الدعاء، فاسألوا الله الثبات، كَانَ النَّبيُ
صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكثِرُ أنْ يَقول: (اللهُمَّ يَا مُقلبَ القُلوبِ
ثَبتْ قَلبِي عَلى دِينِك) أحمد والترمذي والبخاري في الأدب المفرد
فتضرعوا لربكم بأن يمن عليكم بالثبات على دينه
حتى الممات، وتعوذوا بالله كثيرا من مضلات الفتن، والله يعيذ من استعاذ به.
وأخيراً اهربوا من مواطن الفتن واعتزلوها،
(فالسعيد من جنب الفتن)،
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلاً وصلى الله على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
بشر أنه مع الصابرين ويحب المتقين ولا يضيع أجر المحسنين، وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وخليل رب العالمين، بلغ الرسالة وأدي
الأمانة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة
وسلاما دائمين إلى اليوم الدين.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد، الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً.
أيها المسلمون: في ظل ما يشهده العالم من تزايد في الإصابة بوباء كورونا،
علينا أولاً أن نتوكل على الله ونعتقد أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
وعلينا ثانياً أن نبذل أسباب السلامة فنستمر في
الأخذ بالاحترازات وتطبيق التعليمات التي تصدرها الجهات ذات الاختصاص.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد.
أيها المسلمون: الأضحية شعيرة من شعائر المسلمين وعبودية واستسلام
لرب العالمين واتباع لسنة إبراهيم ونبينا محمد الكريم عليهما أفضل الصلاة وأتم
التسليم، وهي شكر لرب العالمين على تسخير هذه الأنعام لنا.
فضحوا تقبل الله ضحاياكم، فالأضحية سنة مؤكدة، وطيبوا
بها نفساً واذكروا اسم الله عليها.
ومن السنة أن يقول المضحي عند ذبح أضحيته:
بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك عني وعن أهل بيتي، اللهم تقبل مني.
واعلموا أن الذبيحة الواحدة تكفي عن أهل البيت جميعهم أحيائهم وأمواتهم،
هكذا كان يُفعل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمن الصحابة رضوان الله
عليهم.
والأضحية للأحياء لا للأموات، إلا إن كان هناك
وصية.
واعلموا أن وقت الذبح يبتدئ من بعد صلاة العيد هذه، ويمتد إلى غروب شمس
اليوم الثالث عشر، ويصح الذبح ليلا ونهارا والنهار أفضل.
ومن تعظيم شعائر الله أن تتفقدوا ضحاياكم، وأن تكون
سالمة من العيوب، بالغة للسن المعتبرة، ويستحب استحسانها واستسمانها.
عباد الله: أحسنوا الذبح ولا تؤذوا البهيمة فبرحمتنا للبهيمة يرحمنا
الله الرحيم.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب
علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا من المعظمين لك ولشعائرك وحرماتك، اللهم يا مقلب
القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا
الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب
علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم اجعلنا من المعظمين لك ولشعائرك وحرماتك.
اللهم ارفع عنا البلاء والبلاء وعن بلاد المسلمين وعن العالم،
واجعلنا من المعتبرين المتذكرين.
اللهم ارفع عنا كورونا، اللهم بعلمك الغيب وإحاطتك بالخلق أحسن
عاقبتنا في هذا البلاء وفي الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا واجتماعنا، ووفق ولاتنا لما فيه
صلاح أحوالنا وأحوال البلاد والإسلام والمسلمين.
اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهما بطانة صالحة
ناصحة يا رحمن.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وولاتنا والإسلام والمسلمين بسوء
فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره وأدر عليه دائرة السوء واجعل تدبيره تدميرا له يا
قوي يا عزيز.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا
اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين.
|