خطبة عيد الأَضْحَى
١٤٤٤هـ
إنَّ
الحَمْدَ لله نَحْمَدُه ونَسْتَعِينُه ونَسْتَغْفِرُه وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه
وَمَنْ يُضِلِلْ فَلا هادِيَ لَه وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَه لا
شَريكَ لَه، وأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُه ورسولُه، صَلَّى اللهُ عَلَيْه
وَعَلَى آلِه وصَحْبِه وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً أَمَّا بَعْدُ:
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ،
اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، لا
إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ وللهِ الحَمْدُ.
أيُّها الْمُسلِمونَ:
اتَّقُوا اللهَ تعالى، واشْكُرُوهُ عَلَى أَنْ هَداكُمْ للإسلامِ، وَبَلَّغَكُمْ
هذِهِ الأيَّامَ الْمُبارَكَةَ الفاضِلَةَ، وَجَعَلَكُمْ مِمَّنْ يُشارِكُونَ
المسلمين في هذا اليَوْمِ العَظِيمِ – يَوْمِ النَّحْرِ – سُمِّيَ بِذلكَ:
لِكَثْرَةِ مَا يُراقُ فِيهِ مِن دَمِ الهَدْيِ والأضاحِي تَقَرُّبًا إلى اللهِ وحْدَهُ
لا شَرِيكَ لَه. وَهُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ لِأَنَّ الحُجَّاجَ يَقُومُونَ
بِمُعْظَمِ أَعْمالِ الحَجِّ: " رَمْيِ الجِمارِ، وَذَبْحِ الهَدْيِ،
والحَلْقِ أَو التَّقْصِيرِ وَطَوافِ الإِفاضَةِ ".
عبادَ اللهِ:
لَقَدْ بَعَثَ اللهُ رُسُلَهُ مِنْ أَجْلِ أَمْرٍ واحِدٍ فَقَطْ، أَلا وَهُوَ
إِفْرادُ اللهِ بالعِبادَةِ الظاهِرَةِ والباطِنَةِ، مِنْ صَلاةٍ وصِيامٍ ودُعاءٍ
وذَبْحٍ وَنَذْرٍ واسْتِغاثَةٍ واستِعاذَةٍ واسْتِعانَةٍ ورَجاءٍ وَتَوَكُّلٍ، قال
تعالى: ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ
وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ
وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) فَمَنْ صَرَفَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ
العِباداتِ، لِأَيِّ مَخْلُوقٍ كانَ، ولَو كانَ نَبِيًّا مُرْسَلًا، أَوْ مَلَكًا
مُقَرَّبًا، فَهُوَ مُشْرِكٌ كافِرٌ، لأَنَّه عَبْدَ غَيْرَ اللهِ.
عِبادَ اللهِ:
إِنَّ الأضاحِي عِبادَةٌ عَظِيمَةٌ وشَعِيرَةٌ مِنْ شَعائِرِ اللهِ، فَلا
يَنْبَغِي لِمَنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتْرُكَها، وَلَكِنْ لا بُدَّ مِنْ مُراعاةِ
الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ فِيها: وهِيَ السَّلامَةُ مِن العُيُوبِ الواضِحَةِ
التي تُؤَثِّرُ في الأُضْحِيَةِ. وبُلُوغُ السِّنِّ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا،
وهِيَ: مِنَ الإبِلِ ما أتمَّ خَمْسَ سنينَ، ومِنَ البَقَرِ ما أتمَّ سَنتينِ،
ومِنَ الْمَعْزِ ما أتمَّ سَنَةً، والجَذَعُ مِنَ الضَّأنِ ما أتمَّ سِتَّةَ
أشْهُرٍ. وَأَنْ تُذْبَح بَعْدَ الفَراغِ مِنْ صَلاةِ العِيدِ، وَيَمْتَدُّ
الوَقْتُ إلى غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ،
والأَفْضَلُ أَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ العِيدِ نَهارًا، ولا بَأْسَ بِالذَّبْحِ
لَيْلًا.
عِبادَ اللهِ:
إِنَّ الإيمانَ لَيْسَ بِالتَحَلِّي ولَا بَالتَمَنِّي، وَلَكِن مَا وَقَرَ فِي
القَلْبِ وَصَدَّقَتْهُ الأَعْمالُ، وَلِذلكَ ذَكَرَ اللهُ تَعالَى فِي كِتابِه
صِفاتَ الْمُؤْمِنِينَ، لِيُبَيِّنَ لَنَا أَنَّ الإيمانَ الذي فِي القَلْبِ،
لابُدَّ وَأَنْ يَظْهَرَ عَلَى أَقْوالِ العَبْدِ وأفْعالِه، قال تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ
سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ). وقالَ تَعالَى: (
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ
عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ
هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ
لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ
هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ
هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ
الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ). وقالَ تَعَالَى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَهُمْ دَرَجَاتٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ).
هذِه جُمْلَةٌ مِنْ صِفاتِ الْمُؤمنينَ،
وهذا هُوَ الإيمانُ الذِي هذِه آثارُهُ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هذِهِ الآثارَ في
قَلْبِهِ وجَوارِحِهِ فَلْيُراجِعْ إيمانَه وَلْيُحاسِبْ نَفْسَه في ذلك.
اللهُ أكبَر، اللهُ أكبَر، لا إلهَ إلا
اللهُ واللهُ أكبَر، اللهُ أكبْر وللهِ الحَمْدُ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ
بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون
وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الحمدُ للهِ على إحسَانِهِ،
والشكرُ له على توفِيقِهِ وامتنَانِهِ، وَأَشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحْدَه لا
شريكَ لَه، وأشهدُ أنَّ محمداً عَبْدُه ورسولُه، صلى اللهُ عَلَيْه وعلى آلِه
وأصحابِه وسِلَّم تَسْلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
اللهُ أكبْر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
اللهُ أكبَرُ كَبِيرا، والحَمْدُ للهِ كَثيرا، وسُبْحانَ اللهِ بُكرَةً وأصيلا.
عباد الله:
فِي مِثْلِ هذا اليَوْمِ العَظيمِ خَطَبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
الناسَ بِمِنَى، وحَرَّمَ الدِّماءَ والأَعْراضَ والأَمْوالَ فقال: ( إِنَّ دِماءَكُمْ وأمْوالَكُمْ وَأَعْراضَكُمْ، عَلَيْكُم
حَرامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُم هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، شَهْركُمْ هذا )،
فَاتَّقُوا اللهَ تعالى، ولا تَهاوَنُوا في هذا الأمْرِ العظيمِ، فاحْذَرُوا
الظُّلْمَ، والأَذِيَّةَ والغِيبَةَ والنَّمِيمَةَ والقَذْفَ والسَّبَّ والشَّتْمَ،
وَعَظِّمُوا حُرُماتِ الْمُسلِمينَ ودِمائَهُمْ وأَمْوالَهُم، واعْلَمُوا أَنَّ
مِنْ أَعْظَمِ الصَّدَقاتِ التي يَتَصَدَّقُ بِها الْمُسْلِمُ عَلى نَفْسِهِ، ما
وَرَدَ في قَوْلِ النبيِّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ
تَصَدَّقُ بهَا علَى نَفْسِكَ ).
أيُّها الْمُسلِمُون:
إنَّ مِن أَعْظَمِ أسبابِ ضِعْفِ الإيمانِ: حُبَّ الدنيا وعَدَمَ ذِكْرِ هادِمِ
اللَّذَّاتِ المَوْتِ، بَلْ إِنَّ ذلك مِنْ أَسْبابِ تَسَلُّطِ العِدُوِّ عَلَى
المسلمين، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( يوشِكُ
الأُمَمُ أن تَدَاعَى عليكُم، كما تَداعى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، فقال قائِلٌ:
ومِنَّ قِلَّةٍ نحن يَوْمَئِذ؟ قال: لا، بل أنتُم يَوْمَئِذٍ كثير، ولكِنَّكُم
غُثاءٌ كَغُثاءِ السَّيْلِ، ولَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُم
الْمَهابَةَ مِنْكُم، ولَيَقْذِفَنَّ اللهُ في قُلُوبِكُم الوَهْن. فقال قائِلٌ: يا
رسولَ الله، وما الوَهْن؟ قال: حُبُّ الدنيا وكَراهِيَةُ الْمَوْت ).
فَإِيَّاكُم والانْغِماسَ في الدنيا
والتَّعَلُّقَ بِها فَإِنَّها لَا تَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ،
واجْعَلُوها بِأَيْدِيكُمْ لَا بِقُلُوبِكُمْ. وَتَذَكُّرُوا الْمَوْتَ دائِمًا،
تَذَكَّرُوا لَحْظَةَ الْمَوْتِ التي تَنْزِلُ فيها الْمَلَائِكَةُ، فَلَا
تَدْرُونَ: أَهُمْ مَلَائِكَةُ الرحمةِ أَمْ مَلَائكِةُ العذابِ. أَيُقالُ
لِرُوحِكَ: أَيَّتُها الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ أَمْ أَيَّتُها الرُّوحُ الخَبِيثَةُ،
اذْكُرُوا الْمَوْتَ ذِكْرًا يَجْعَلُكُمْ تَسْتَعِدُّونَ بِطاعَةِ اللهِ
وَتُقْبِلُونَ عَلَى اللهِ كَمَا أَمَرَ اللهُ
اللهُ أكبَر، اللهُ أكبر، لا إلَهَ إلا
اللهُ واللهُ أكبَر، اللهُ أكبرُ وللهِ الحَمْدُ.
رَبَّنا تَقَبَّل مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
العَليمُ، وتُبْ عَلَيْنا، إنَّك أَنْ التَّوابُ الرَّحِيمُ. اللهم يَسِّرْ
لِلحَجِيجِ حَجَهُم، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجَّهُمْ مَبْرُورًا وَسَعْيَهُمْ
مَشْكُورًا وذَنْبَهُم مَغْفُورًا، واحْفَظْهُم مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَرُدَّهُمْ
إلى أهلِيهِم وأوطانِهِم سالِمِين غانِمِين، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الجنَّةَ
وما قَرَّبَ إِلَيْها مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن النارِ وما
قَرَّبَ إِلَيْها مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ. اللهُمَّ أصلحْ قلوبنَا وأعمالَنا
وأحوالَنا، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمين، اللهُمَّ أنزلْ على المسلمين رحمةً
عامَّةً وهدايةً عامَّةً يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهُمَّ اجمعْ كلمةَ الْمُسلِمينَ
على كتابِك وسُنَّةِ نبيِّك محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، اللهم اجعلْ
كلمتَهم واحدةً ورايتَهم واحدةً واجعلْهم يداً واحدةً وقوَّةً واحدةً على من سواهم، ولا تجعلْ لأعدائِهم مِنَّةً عليهم يا قويُّ يا عزيزُ، اللهُمَّ احفظْ بلادَنا من
كيدِ الكائدين وعدوانِ الْمُعتَدين، اللهُمَّ احفظْ لهذه البلادِ دينَها وعقيدتَها
وأمنَها وعِزَّتَها وسيادتَها، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ
وُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهم بِتَوفِيقِك وَاجْعَلْهُم أَنصَاراً لِدِينِك،
اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِلَادَنَا وَعَقِيْدَتَنَا وَقَادَتَنَا وَرِجَالَ
أمْنِنَا بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ،
وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيراً عَلَيْهِ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيْزُ، اللهُمَّ
اغفرْ للمسلمين والْمُسْلِمَاتِ والْمُؤمِنينَ والْمُؤمِناتِ الأحياءِ منهم
والأمواتِ، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعواتِ، اللهُمَّ صلِّ وسَلِّمْ على نبيِّنا
محمَّدٍ .
|