عيد الأضحى 1433هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .
أما بعد ، أيها المسلمون :
تقوى الله U ، وصيته لنا ولمن كان قبلنا ، فهو القائل سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتقِ الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
في هذا اليوم ، تجتمع للإمة الإسلامية ، مناسبات عظيمة ، ومنح ربانية كريمة ، فاليوم هو آخر أيام العشر ، ، التي يحب الله U العمل فيهن ، وما يعمله المسلم ، من الأعمال الصالحة في هذه الأيام ، لا يفوقه بالفضل إلا بذل النفس والمال في سبيل الله تعالى ، كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي r قال : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر )) قال الصحابة رضي الله عنهم : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال r : (( ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )) . وفي رواية عند الطبراني : (( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير )) .
فالعمل الصالح الذي تعمله ـ أخي المسلم ـ في هذا اليوم ، فضله وأجره ومحبة الله له ، ليس كفضله وأجره ومحبة الله له غدا ، فاغتنم هذه الفرصة العظيمة ، ولا تجعلها تفوت عليك يا عبد الله .
وأيضا ـ أيها الأخوة ـ في هذا اليوم ، يكون يوم عيد الأضحى ، أفضل الأيام عند الله U ، كما قال النبي r في الحديث الذي في صحيح ابن حبان وغيره مرفوعاً : (( أفضل الأيام عند الله يوم النحر )).
ومن فضل الله U وتوفيقه ـ أيها الأخوة ـ موافقة هذا اليوم ، ليوم الجمعة ، الذي هو أفضل يوم عند الله U ، كما قال النبي r في الحديث الذي رواه الإمام مسلم : ((خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا )) . وفي الحديث الذي رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى .. ))
أيها الأخوة المؤمنون :
إن هذه المناسبات العظيمة ، والمنح الربانية الكريمة ، تجعلنا كمسلمين ، ندرك قيمتنا ، ومكانة أمتنا عند الله U ، ونستشعر أننا خير أمة أخرجت للناس ، كما قال تبارك وتعالى ـ : } كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ { ولكن ـ أيها الأخوة ـ لن يكون الأمر كذلك ، إلا إذا كنا كما يريد U منا ، فالحج وكونه ركنا من أركان الإسلام ، والعيد وكونه شعيرة من الشعائر العظام ، ويوم الجمعة وكونه أفضل الأيام ، ليس من أجل كثرة أموالنا ، ولا لكمال أجسامنا ، ولا من أجل تعدد جنسياتنا ولغاتنا وأشكالنا ، إنما هو من أجل تمسكنا بكتاب ربنا ، وسيرنا على نهج نبينا محمد r ، من أجل ـ أيها الأخوة ـ هذا الدين الذي أعزنا الله به ، ورفع مكانتنا من أجله ، فقد كنا ضلالا فهدانا الله به ، وكنا عالة فأغنانا الله به ، وكنا حثالة فأعلى الله مكانتنا به ، ووالله الذي لا إله غيره ، ما ضعفت شوكتنا ، وهانت كلمتنا ، وتمزق صفنا ، وضاعت هيبتنا ، إلا عندما صار هذا الدين فقط مجرد أمر ننتمي إليه ، وكيان ليس إلا لرمي مصائبنا عليه ، وصرنا نهتم لغيره ، ونعتني بكل أمر في حياتنا إلا به ، فلما صرنا كذلك صار المسلم ، عند غيره من غير المسلمين ، أذل مخلوق يمشي على الأرض ، أهون الدماء دمه ، وأرخص الأعراض عرضه ، في وقت تحفيظ فيه حقوق الحيوانات والكلاب ، أعزكم الله .
وهذا الأمر ، هو ما حذر منه النبي r ، قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة ، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : (( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ )) .
هل يستطيع عاقل ـ أيها الأخوة ـ أن ينكر ويجحد الذل والهوان ، الذي يعيشه المسلمون اليوم ؟ الذي هو عقوبة من الله U للمسلمين ، كما أخبر النبي r في هذا الحديث ، لأنهم يتبايعون بالعينة : والعينة كما ذكر بعض شراح الحديث : حيلة يحتال بها بعض الناس على التعامل بالربا ، فالعقد في صورته : بيع ، وفي حقيقته : ربا . أو كما قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة . وتلك ـ أيها الأخوة ـ حقيقة تعامل كثير من الناس اليوم .
فالتبايع بالعينة ، والاحتيال على الربا ، أول خطوة إلى الذل والهوان ، ثم يتبع ذلك : الانشغال بالدنيا والاهتمام لها ، ونسيان الآخرة ، وترك الجهاد ، فتكون النتيجة ، كما جاء في الحديث الشريف : (( سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ )) .
فلا عز لنا ، ولا رفعة ، ولا كلمة ، ولا هيبة ـ أيها الأخوة ـ إلا بهذا الدين ، ليس بأموالنا ولا بأقوالنا ولا بأشكالنا وألواننا ، وجودنا مرتبط بوجوده ، وفناؤنا راجع لتقصيرنا فيه .
أيها الأخوة :
خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعه أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له فنزل عنها ، وخلع خفيه ، فوضعهما على عاتقه ، وأخذ بزمام ناقته ، فخاض بها المخاضة ، فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا ، تخلع خفيك ، وتضعهما على عاتقك ، وتأخذ بزمام ناقتك ، وتخوض بها المخاضة ! ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك ! فقال عمر : أوّه ! لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد r ، إنا كنا أذلّ قوم فأعزنا الله بالإسلام ، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله .
الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد .
أقول قولي هذا وأستغفر الله، لي ولكم من كل ذنب، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الله أكبر.. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ..الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد . الحمد لله الذي بعث نبيه محمداً r رحمة للعالمين ، وقدوة للعاملين ، وحجة على عباده أجمعين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، أيها المسلمون :
إنكم في يوم عظيم سماه الله يوم الحج الأكبر ، تتلوه أيام معدودات عظيمة ، فعظموها بطاعة الله وذكره ، وأكثروا من حمده وشكره ، } ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { ، } ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ { ، ضحّوا وطيبوا نفسًا بضحاياكم ، واذكروا الله على ما رزقكم وأن هداكم ، فإنه ما عُبِد الله في يوم النحر بمثل إراقة دم الأضاحي ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض ، واعلموا أن الذبح ممتد إلى غروب الشمس من ثالث أيام التشريق ، وأنه يشرع في هذه الأيام التكبير المقيد في أدبار الصلوات المكتوبة ، فكبّروا وارفعوا به أصواتكم ، وأحيوا سنة نبيكم نَضَّرَ الله وجوهكم .
أسأل الله عز وجل أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال . اللهم تقبل منا صالح أعمالنا واغفر لنا زللنا وإجرامنا ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين . اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم احمِ حوزة الدين اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمور المسلمين ، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه، واصرف عنهم بطانة السوء يا رب العالمين. اللهم وفق ولاة أمرنا، واحفظ علماءنا، وسدد دعاتنا، اللهم من أرادهم بسوء اللهم اشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً له يا رب العالمين. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم نصراً مؤزراً يا قوي يا عزيز. اللهم يسر للحجيج حجهم, وأعنهم على إتمام نسكهم على الوجه الذي يرضيك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً، واحفظهم من كل مكروه, اللهم ردهم إلى أهليهم وأوطانهم سالمين غانمين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم } ربنا آتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار { .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك، وأنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، وأنت القوي ونحن الضعفاء بين يديك، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثا مغيثا، هنيئا مريعا، سحا غدقا، عاجلا غير آجل، نافعا غير ضار، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت قوة لنا على طاعتك، ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم لا تردنا خائبين واستجب دعائنا يا أرحم الراحمين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
|