الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله:
اتقوا الله تعالى، واعلموا إن الشرك أعظم الذنوب لأن الله تعالى أخبر أنه لا مغفرة لمن لم يتب منه مع أنه سبحانه وتعالى كتب على نفسه الرحمة. وذلك يوجب شدة الحذر شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه قال تعالى: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ". وقال تعالى: " إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار".
*ولعظم أمر الشرك حرم الله جميع الوسائل القولية والفعلية التي تفضي إلى الشرك
واليكم يا عباد الله بيانها*:
أولها: الحلف بغير الله تعالى.
لأن الحلف بغير الله يفضي إلى تعظيم المخلوق ورفعه إلى منزلة لا تجوز إلا لله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ).
الثاني: الألفاظ التي ظاهرها التسوية بين الخالق والمخلوق
مثل قول: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وفلان. لأن الواو تقتضي التسوية، وهذه التسوية في اللفظ شرك أصغر وهي وسيلة إلى الشرك الأكبر. ولذلك نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث: النهي عن الغلو في تعظيم القبور وذلك بالبناء عليها وتجصيصها ورفعها والكتابة عليها
لأن ذلك يفضي إلى الغلو في أصحابها ومن ثم عبادتهم. عن جابر رضي الله عنه قال: ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقعد على القبر وأن يُجصص وأن يُبنى عليه ) رواه مسلم. وعند ابن ماجه: ( نهى أن يُكتب على القبر شيء ).
الرابع: النهي عن اتخاذ القبور مساجد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ). وهذا يشمل بناء المساجد عليها، وكذلك الصلاة عندها والدعاء عندها ما لم يكن دعاء للميت أو صلاة عليه.
الخامس: النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها
لما في ذلك من التشبه بالذين يسجدون لها في هذه الأوقات.
السادس: النهي عن السفر إلى أي مكان من الأمكنة بقصد التقرب إلى الله فيه بالعبادة.
إلا المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.
وبهذا يتبن خطأ منْ يسافر إلى المدينة بقصد زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو مدائن صالح أو جبل النور وغير ذلك من البقاع والأماكن.
السابع: النهي عن الغلو في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم كما فعل أهل الكتاب،
ولذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) والإطراء هو المبالغة في المدح.
نعم؛ هو رسول الله ويجب علينا أن نحبه أكثر من أنفسنا وأهلينا والناس أجمعين، وهو سيد ولد آدم عليه السلام. ولكن لا يجوز رفعه فوق منزلته التي أنزله الله إياها. قال تعالى: ( قل إنما أنا بشر مثلكم ). وقال تعالى: ( قال إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ). وقال تعالى: ( قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لا استكثرت من الخير وما مسني السوء ).
الثامن: الغلو في الصالحين؛
إذا كان الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ممنوعاً، فالغلو في غيره من باب أولى. والمراد بالغلو في الصالحين: رفعهم فوق منزلتهم التي أنزلها الله إلى مالا يجوز إلا لله، مع الاستعانة بهم عند الشدائد، والطواف بقبورهم، والتبرك بتربتهم، وذبح القرابين لأضرحتهم، وطلب المدد منهم، وقد أدخل الشيطان الشرك على قوم نوح من باب الغلو في الصالحين فيجب الحذر من ذلك وإن كان المقصد حسناً. وقد وقع في هذه الأمة مثل ما وقع في قوم نوح. لمَّا أظهر الشيطان لكثير من المفتونين الغلو والبدع في قالب تعظيم الصالحين ومحبتهم ليوقعهم فيما أوقع فيه قوم نوح. فما زال الشيطان يوحي إلى عباد القبور ويلقي إليهم أن البناء والعكوف على قبور الصالحين يعد محبة لهم وأن الدعاء عند قبورهم يستجاب، ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء والتوسل بها، فإذا ألفوا ذلك نقلهم منه إلى دعاء المقبورين، وعبادتهم، وسؤالهم الشفاعة من دون الله عز وجل، فتصبح قبورهم أوثانا تعلق عليها القناديل وتسدل عليها الستور، ويطاف بها، وتستلم، وتقبل، كما هو الحاصل في كثير من البلدان الإسلامية، ولقد خشي النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:- عباد الله:
ومن وسائل الشرك التصوير:
وهو نقل الشيء وهيئته بواسطة الرسم أو الالتقاط بالآلة أو النحت. وإثباتُ هذا الشكل على لوحة أو ورقة أو تمثال. وأول شرك حدث في الأرض كان بسبب التصوير، حينما أقدم قوم نوح على تصوير الصالحين ونصب صورهم على المجالس. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التصوير بجميع أنواعه، ونهى عنه، وتوعد من فعله بأشد الوعيد، وأمر بطمس الصور، وتغييرها، لأن في التصوير مضاهاة لخلق الله وهو منشأ الوثنية نعوذ بالله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة ) متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ) متفق عليه. وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم ) رواه البخاري ومسلم.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من صور صورة كُلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ ) رواه البخاري ومسلم.
وقد ابُتلي الناس بالتصوير في هذا الزمان ولا بد أن نعلم أنه لا يجوز منه إلا ما كان لضرورة أو حاجة لا بد منها. كحفيظة النفوس ورخصة القيادة وما شابه ذلك وما لابد منه ولا يجوز التوسع في ذلك لأن الرخص تقدر بقدرها.
نسأل الله السلامة والعافية من الشرك ووسائله اللهم اجعلنا من أهل التوحيد الخالص
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها،
|