تداعي
أمم الكفر
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا اللهَ تعالى, وابذُلوا
أسبابَ الثباتِ على الإيمان, والمحافظةِ على الدِّين, واحذروا مِمَّا حذَّرَ منه
النبيُّ صلى الله عليه وسلم, فإنه ما مِن خيرٍ إلا دَلنا عليه وما مِن شرٍّ إلا
حذَّرنا منه. ومِنَ الشَّرِّ الذي حَذَّرَنا منه, ما رواه أبو داودَ عن ثوبانَ رضي
اللهُ عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ
تَدَاعَى عليكم, كما تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها, فقال قائِلٌ: وَمِنْ
قِلَّةٍ نحن يَوْمَئِذ؟ قال: لا, بَلْ أنتم يَوْمَئِذْ كثير, ولكِنَّكُم غُثاءٌ
كغُثاءِ السَّيْل, وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُم المَهابةَ
مِنْكُم, ولَيَقْذِفَنَّ اللهُ في قُلوبِكُم الوَهْن. فقال قائِلٌ: يا رسولَ الله,
وما الوَهْن؟ قال: حُبُّ الدنيا وكراهِيَةُ المَوْت ). ومَعْنَى ( تَدَاعَى ): أي,
تَتَداعَى, بِأَنْ يَدْعُوَ بَعْضُهُم بَعْضا لِمُقاتَلَتِكُم وكَسْرِ شَوْكَتِكُم
وسَلْبِ ما مَلَكْتُمُوه مِن الدِّيَار والأموال, ( كما تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى
قَصْعَتِها ), والأَكَلَةُ: جَمْعُ آكِل. والقَصعَةُ: هي الوِعاءُ الكبير,
والمائِدَةُ المَلِيئَةُ بالطعامِ الكثيرِ الوَفيرِ الذي لا يُمْنَعُ منه أحد.
فَأَعْداءُ الإسلامِ تَكاتَفُوا على بِلادِ المسلمينَ لأنها بالنسبةُ لهم
كالمائِدَةِ الدسمةِ المباركةِ الكثيرةِ الوفيرة, وبالفِعْل: فإن اللهَ تعالى
أَوْدَعَ في أراضي المسلمين مِنَ الخيراتِ الكثيرة, مِن الزروعِ والثمارِ, وما
جعَلَهُ في باطِنِها مِن الكنوزِ والمعادِن, ما يَجْعَلُها تَكْتَفِي ذاتِيًا لو
أحْسَنَت اسْتِغْلالَها. فالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُ بِقُرْبِ
تَداعِي أُمَمِ الكُفْرِ, بِحَيثُ يدعُو بعضُهُم بَعْضاً على اختِلافِ مِلَلِهِم
ومَذاهِبِهِم, مِن غيرِ تَخْصيص. فيجتَمِعُون جميعاً على حَربِ أمَةِ الإسلامِ,
وأَخْذِ ما في أيدِيهِم مِمَّا أفاءَ اللهُ عليهِم.
وسَبَبُ ذلك: هو بُعْدُهم عن دينِهِم,
وظُهُورُ الفُرْقَةُ والاختلاف, مَعَ ما ذُكِرَ في الحديث, وهو ( حُبُّ الدنيا,
وكراهيةُ الموت ). والمَقْصُودُ بكراهيةِ الموت, كراهيةُ مُفارَقَةِ الدنيا
وملذاتِها وشَهَواتِها. وأما الخوفُ مِن المَوتِ وسَكَراتِه, أو الخوفُ مِمَّا
بَعْدَ الموتِ, مِن فِتْنَةِ القبرِ والبعثِ والحساب, فهذا شُعُورُ كُلِّ مُؤْمِن.
فَمَتى ما تَمَسَّكَ المسلمون بِسُنَّةِ
النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم, فَلْيَعْلَموا أنَّ العَدُوَّ سَيَهابُهم
بِمُجَرَّدِ ما يِسْمَعُ ذِكْرَهُم, لِقَولِهِ عليه الصلاةُ والسلام: ( نُصِرْتُ
بالرُّعْبِ مسيرةَ شهر ). وهكذا كُلُّ مَن تَمَسَّكَ بالسنةِ, لا بُدَّ أنْ
يَخافَه العَدُوُّ مِن مسيرةِ شهر. وعلى العَكْسِ مِن ذلك, فإن مَن خالَفَ أمْرَ
النبيِّ صلى الله عليه وسلم, أصابَهُ الذُّلُّ والصَّغَارُ, كما قال عليه الصلاةُ
والسلام: ( وَجُعِلَ الذِّلَّةُ والصَّغارُ على مَن خالَفَ أمْري ). وكذلك مَتَى
ما تَحَلَّى المسلمون بالصَّبْرِ والتَقْوى, فإنهم يَسْلَمُون من كيدِ الكفارِ
مهما بَلَغَ عَدَدُهُم وعتادُهُم, كما قال تعالى: ( وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ).
وكذلك مَتَى كانت الآخِرَةُ هي هَمَّهُم,
ولَمْ يَرْكَنُوا إلى الدنيا, فإنه يَسْتَحيلُ تَمْكينُ العَدُوَّ مِنْهُم.
ومَفاسِدُ إيثارِ الدنيا على الآخرةِ يا
عبادَ اللهِ كثيرةٌ وخطيرة:
أولها: تَرْكُ الإخلاص, فإن الانْغِماسَ في
الدنيا عَدُوٌّ لَدُودٌ لِلنِّيَّةِ والسَيْطَرةِ عليها. وقد أخبرَ النبي صلى الله
عليه وسلم أَنَّ أولَ مَن تُسَجَّرُ بِهِمُ النارُ ثلاثة: رجلٌ تَعَلَّمَ لِيُقالَ
عالم, وقرأَ القرآنَ ليقالَ قارئ. ورجلٌ قاتَلَ في المَعْرَكةِ لِيُقالَ جَرِيء.
ورجلٌ أنفَقَ في أبْوابِ الخَيْرِ لِيُقالَ جَوَاد.
الثاني: تَضييعُ جانِبِ الأُخُوَّةِ
الإيمانِية, التي هي الرابِطُ الأَعْظَمُ بين المؤمنين, فإن التعلقَ بالدنيا
والتنافسَ عليها, سببٌ للتحاسُدِ والبَغْضاءِ والقَطيعةِ, وأَخْطَرُ من ذلك:
سَفْكُ الدِّماءِ والاقتِتَالُ بين المسلمين, وهذا مِنْ أعظمِ أسبابِ تَسَلُّطِ
الكفارِ على المسلمين.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ
الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ
الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ
الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين,
وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً
عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً
كَثِيراً. أما بعد:
عبادَ الله: ومِن مفاسِدِ إيثارِ الدنيا
والتَعَلُّقِ بها: تَشَتُّتُ قلبِ العبدِ, والخوفُ على المُسْتَقبلِ, والشعورُ
بِمُلاحقةِ الفقرِ لَه حتى ولو كان مِن أَغْنَى الناس. وهذه حالُ كُلِّ مَنْ
تَعَلَّق بالدنيا حتى صارت شغلَه الشاغِل. فإن الوَحْشَةَ لا تُفارِقُ قَلبَه,
والهمَّ يُلازمُه مُلازَمَةَ الغَريمِ لِغَريمِه, ويَشْعُرُ بأن مُسْتَقْبَلَه
مُظلِم, وحياتُه يَغْلُبُ عليها التشاؤمُ, لا التفاؤُل. يقول النبي صلى الله عليه
وسلم: ( مَنْ كانت الدُّنيا هَمَّه, فَرَّقَ اللهُ عليه أَمْرَه, وجَعَل فقرَه بين
عَيْنَيْه, ولَمْ يأتِه مِن الدنيا إلا ما كُتِبَ له. ومن كانت الآخرةُ نِيّتَه,
جَمَعَ اللهُ له أَمْرَه, وجَعَل غِناه في قلبِه, وأَتَتْهُ الدنيا راغِمَة ).
ومن مَفاسِدِ إيثارِ الدنيا: تَقْديمُ
التَّنَازُلاتِ خَوْفًا مِن فَوَاتَ الفُرَص
أو نُقصانِ مَتاعِ الدنيا, كَمَن يَبِيعُ أَمانَتَه مِنْ أَجْلِ
الرَّشْوَةِ, أو عَقْلَه مِنْ أَجْلِ الخَمرِ والمُخدرات, أو العِرْضَ والشَّرَفَ
مِن أَجْلِ كَسْبِ المال, بَلْ وأَخْطَرُ من ذلك أن يَبِيعَ دِينَه كُلَّهُ مِن
أَجْلِ الدنيا, كما قال تعالى: ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا
فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ
اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ).
ومن مفاسد إيثارِ الدنيا: ما سَمِعْتُم في
الحديث, مِنْ تَدَاعِي أمَمِ الكُفْر وتَسَلُّطِها على المسلمين, فإن التعَلُّقَ
بالدنيا والانشغالَ بها عن القرآن والسنة, والإقبالِ على الله, والدعوةِ إليه,
والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ, وإعدادِ القُوَّةِ الإيمانيةِ
والمادِّيَّةِ مِن أَجْلِ نُصْرَةِ دينِ الله – إِنَّ ذلك مِنْ أعظمِ هَوَانِ
المُسلمين على أعدائِهم, ومِن أعظمِ أسبابِ ذِلَّتِهِم.
اللهم
لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا
يرحمنا يا أرحم الراحمين، اللهم انصر بنا دينك, وأعلِ بنا كلمتك, واجعلنا هداةً
مهتدين يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أصلح
أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة
يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى
الله عليه وسلم، اللهم اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً وقوة
واحدة على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم احقن
دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل
مكان، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين،
اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة
والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا
يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء
العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه البلاد
دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين،
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك
سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء
أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله
إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً
ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل
علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً،
هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك
وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً
تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك،
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم
أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها
هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|