بادِروا
بالأعمال فِتَناً
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أمّا بعد،
عباد
الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن أغلى ما تملكون في هذه الدنيا، إيمانَكم الذي
هو سببُ نجاتِكُم وسعادتِكُم في الدنيا والآخرة. فحافظوا عليه أشدَّ من
مُحافَظَتِكُم على أمْرِ دنياكم، وإياكُم والتساهلَ في ذلك، أو الاغتِرارَ بما
عندكم مِن إيمان، فإن الأمنَ من زيغِ القلبِ والوقوعِ في الكفر، علامةٌ على ضعفِ
الإيمانِ. والخوفَ من الكفرِ وزيغِ القلب، علامةٌ على قوةِ الإيمان وعَظَمَتِه في
قلب صاحبِه. ولذلك أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن العبدَ لا يجِد حلاوةَ
الإيمانِ في قلبه، حتى يكرهَ أن يعودَ في الكفرِ كما يكره أن يقذف في النار.
أَلَمْ تقرؤوا قولَ اللهِ تعالى عن خلِيلِه إبراهيمَ عليهِ السلامُ قولَه: ( واجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أنْ نَعْبُدَ الأَصْنَام ).
كيف نأْمَنُ على أنفُسِنا
ونِحْنُ نَقْرأُ هذا الدعاءَ مِن إمامِ الحنفاء، وكيف
نأمَنُ على أنفْسِنا البلاءَ بعَدَ إبراهيمَ عليه السلام.
ألم تقرؤوا
قولَ اللهِ تعالى في وَصْفِ الراسخينَ في العلمِ ودعائِهِم: ( رَبَّنا لا تُزِغْ قُلوُبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيتَنا وَهَبْ
لَنا مِنْ لَدنكَ رحمَةً إنَّكَ أنتَ الوَهَّاب ).
ألَمْ
تَعْلَمُوا أَنّ أكْمَلَ الناسِ إيماناً، وهو رسولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم كانَ يُكْثِرُ أنْ يَقولَ: ( يا مُقَلِّبَ
القلوبِ، ثَبِّت قلبي على دينِك ) ، فقال له أَنَسُ بنُ مالِكٍ رضي اللهُ
عنه راوِ الحديث: يا رسولَ اللهِ آمَنَّا بكَ وبما جِئْتَ به، فهلْ تخافُ علينا؟
قال: ( نعم، إنَّ القُلُوبَ بين أصْبُعَينِ من
أصابِعِ الله، يُقَلِّبُها كيف يشاء ).
فكيف نأمَنُ بعْدَ ذلك؟! خُصُوصاً مَعَ
كثرةِ الفِتَنِ والصَّوارِفِ التي تُؤَثِّرُ في القُلُوبِ والسُّلُوكِياتِ.
فإنَّنا نعيشُ في زمنٍ خطير،
قد انفَتَحَ فيه العالمُ على بَعْضِه، وانْكَسَرَت العُزْلَةُ عن جميعِ الأفكارِ
التي كَسَرَت الحَواجِزَ، فَوَصَلَتِ إلى البُيُوتِ والغُرَفِ، وأصْبَحَ الْمُسْلِمُ
يَتَلَقى جَمِيعَ أنواعِ الثقافاتِ، حَسَنِها وسيِّئِها، وانفتَحَ المجالُ لأهلِ
الباطِلِ في نشرِ زُبالةِ أذهانِهِم، وَحُثالَةِ أفكارِهِم بِزُخْرُفٍ مِن القولِ
غُرورا.
فاحذَرُوا يا عبادَ اللهِ،
وإياكُمْ والتساهُلَ في عقيدَتِكُم، خُصُوصاً وأنه فِي آخِرِ الزَّمَانِ
يَكْثُرُ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ إِيمَانَهُمْ لِلْبَيْعِ، وَيُعْلِنُونَ عَنْ
بَيْعِهِ، وَيُفَاخِرُونَ بهَذَا البَيْعِ، وَيُنَافِحُونَ عَنْهُ. قَالَ
رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بَادِرُوا
بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ
مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا،
يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ). أي سابِقُوا وسارِعوا
بِأعمالِكُم الصالحةِ، وأقْبِلُوا على كتابِ ربِّكُمْ وسُنَّةِ نَبِيِّكُم،
وأكْثِرُوا مِن العَمَلِ الصالِح، والذِّكْرِ والدُّعاءِ، واجْتَهِدُوا في ذلك،
قَبْلَ مَجِيءِ الفتنِ التي تَمْنَعُكُم مِنها وتَصُدُّكُم عنها. قَبْلَ مَجِيءِ
فِتَنٍ )كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ
): وهذا تَشْبِيهٌ لِهذِه الفِتَنِ بِأجزاءِ الليلِ
الْمُظْلِمَةِ الشديدةِ في سَوَادِها وظُلْمَتِها، وفي هذا كِنايَةٌ عَنْ شِدَّةِ
الفتنِ، وعِظَمِ الخوفِ منها وضعفِ الوُصُولِ إلى الحقِّ فيها وكَثْرَةِ دُعاةِ
الباطِلِ، وكَثْرَةِ الواقِعِينَ في الضلالِ، وقِلَّةِ الْمُتَمَسِّكِينَ بالحقِّ،
لأن الْمَرْءَ ضَعِيفٌ، يَنْخَدِعُ مَعَ الكَثْرَة، فَيَغْتَرُّ بِها، ويقولُ في
نَفْسِه: ليسَ مِنَ الْمُعْقُولِ أن يكونَ هؤُلاءِ على الباطِلِ ونَحْنُ على الحق.
ولِخُطُورةِ هذِه الفتنِ:
بَيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سُرْعَةَ تَقَلُّبِ القلْبِ فيها بحيثُ
يُصْبِحُ الرجُلُ مُؤمناً بالله، ثُمَّ تَعْرِضُ له فِتْنَةٌ يَرْتَدُّ بِها عنْ
دِينِه والعياذُ بالله، بِسَبَبِ تَعْظيمِ الدنيا وأّهْلِها، ونِسْيانِ الآخِرةِ.
وفي آخِرِ الزمانِ يَكْثُرُ الدعاةُ إلى الكُفْرِ والبِدعِ وَوَسائلِ الشرك.
ويَكْثُرُ القَتْلُ، وتَشْتَدُّ فِتْنَةُ النساءِ،
وقَدْ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( ما تَرَكْتُ
بَعدِي فتنةً أَضَرُّ على الرجالِ مِن النساء ). وهذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّه في الفِتَنِ يكونُ
إِقْبالُ الناسِ على أَمْرِ الدنيا أكْثَرَ مِن إِقبالِهم على أَمْرِ الآخِرة،
فَتَكْثُرُ التَّنازُلاتُ على حسابِ العَقيدة، وتَزيغُ القلوبُ، ويبيعُ كثيرٌ من
الناسِ دينَهم. ويَدُلُّ أيضاً على أن
الخوضَ في الفِتَنِ وعدمَ اعتزالِها من أخطرِ ما يكون على دينِ الْمرءِ. وأَدَلُّ دليلٍ: ما نراه مِنْ تأثيرِ فِتْنَةِ
الفضائياتِ وشبكاتِ التواصُلِ على أبنائِنا وبناتِنا، بل وبَعْضِ دُعاتِنا أيضاً
مَعَ الأسفِ.
باركَ اللهُ
لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ
الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي
وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين،
وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً
عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً
كَثِيراً. أما بعد:
عبادَ
الله: إن أولادَنا - ذُكُوراً وإناثاً -
مستَهْدَفُون في عقيدَتِهِم، فاغْرِسُوا الإيمانَ في نُفُوسِهِم قَبْلَ
أنْ تَخْسَرُوهُم، وإياكُمْ والغَفْلَةَ عَنْهُم أو التخَلِّيَ عن مَسْئُوليةِ
إصْلاحِهِم، فإنَّ الْمِحْنَةَ على أهْلِ الإسلامِ قَد اشْتَدّت في هذا الزمان،
خُصوصاً الشباب، لأنَّهُم هم الْمُسْتَقْبَلُ بَعْدَ الله، وَعَظُمَ تَسَلُّطُ
أَهْلِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ والفَساد، وَكَثُرَ التَّفَلُّتُ مِنَ الدِّينِ
وَالِانْتِكَاسُ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ
وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ.
وَتَفْكِيرُنا وحِرْصُنا على مُسْتَقبَلِ أولادِنا،
يَجِبُ أَنْ ينْصَبَّ أولاً على إيمانِهِم، قَبْلَ الدِّراسةِ والشهادةِ والوظيفة.
لأنَّ خسارةَ الإيمانِ خسارةٌ في الدنيا والآخرةِ، قال تعالى: ( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ
).
فالدعوةُ إلى الإلْحادِ
غَزَتِ مواقِعَ التواصُل. والحُقُوقِيُّون سَمَّمُوا أفْكارَ بَعْضِ الشبابِ بأنَّ
لَهُم مُطَلَقَ الحُرِّيَّةِ في اختِيارِ ما يَعْتَقِدُون وما يَدِينُون، وأَنَّهُمْ
لَيْسُوا مَلْزُومِينَ بِبَيْعَةِ لِوَلِيِّ الأَمْرِ الْمسلمِ، ولَيْسُوا
مَلْزُومِينَ بِسَمْعٍ وطاعَةٍ وَلُزُومِ الجَماعَةِ، بَلْ وَحَتَّى أنْسَوْهُم
الحِكْمَةَ التي مِن أجْلِها خُلِقُوا. وأَهْلُ البِدَعِ لا يَأْلُونَ جُهْدًا في نَشْرِ بِدَعِهِمْ،
والدُّعاةُ إلى الغُلُوِّ والحِزْبِيَّةِ والتَّنْظِيماتِ التَّكْفِيرِيَّةِ التِي
اسْتَحَلَّتْ الدَّمَ الحَرامَ، بِاسْمِ الجِهادِ وَالغَيْرَةِ وَنُصْرَةِ
الدِّينِ، مِنْ أَجْلِ التَّغْريرِ بِشَبابِ الأُمَّةِ، نَشاطُها في زَمانِنا هذا
مَحْمُومٌ، مَعَ هذا الانْفتاحِ الذي نَعِيشُهُ. فأيْنَ دَورُ الآباءِ والدعاةِ
والْمُعَلِّمينَ والْمُعَلِّمَات.
فاتَّقوا
الله أيها المسلمون، واعلمُوا أنكم غيرُ معذورين أمامَ هذه الْمسئولية
العظيمة، واتقوا اللهَ أيها القائِمُونَ على الإعلام، وسَخِّرُوا برامِجَكُم في
إصلاح مجتَمَعِكُم وشبابِكُم.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح
أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على
المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظنا بالإسلام
قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا
حاسدين، اللهم أصلح شباب المسلمين وأرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل
باطلا وارزقهم اجتنابه يا حي يا قيوم، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة
نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم
يداً واحدةً وقوة واحدة على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا
عزيز، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المجاهدين
في سبيلك في كل مكان، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من
المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك
بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم
فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم
سُوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ بلادنا مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه
البلاد دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم
الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم
والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها
هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |