الأجوفان
إِنَّ
الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا
مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً
كَثِيراً. أمّا بعد،
أَيُّها الناس: اتقُوا اللهَ تعالى،
وتَعَوَّذُوا بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِكُم، فإنَّ النَّفْسَ أمَّارةٌ بالسُّوءِ،
واعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الجهادِ، جِهادَ النفْسِ في ذاتِ اللهِ. وَمِنْ أعظَمِ شُرُورِ النفْسِ، الفَمُ والفُرْجُ،
فَإِنَّ خَطَرَهُما على المَرْءِ شَدِيدٌ، سُئِلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه
وسلم: ما أكثَرُ ما يُدْخِلُ الناسَ النارَ؟ فقال: ( الأَجْوَفانِ: الفَمُ
والفَرْجُ ). وقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَنْ يَضْمَنُ لِي ما
بَيْنَ لِحْيَيْهِ وما بَيْنَ رِجْلَيهِ، أَضْمَنُ له الجنةَ ). وَهذا يَدُلُّ على
أَنَّ مِنْ أعظَمِ البَلاءِ عَلَى المَرْءِ في الدنيا: لسانَهُ وفَرْجَه، فَمَنْ
وُقِيَ شَرَّهُما وُقِيِ شَرًّا عَظِيمًا. فَيَجِبُ على المسلمِ أنْ يُجاهدَ
نَفْسَه في حِفْظِ لِسانِهِ وفَرْجِه.
أمَّا اللسانُ:
فَإِنَّ العَبْدَ قَدْ: (يَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ ما يَتَبَيَّنُ فِيها، يَزِلُّ
بِها في النارِ أبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ). وسَبيلُ
السَّلامَةِ، هُو لُزومُ وصِيَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَن كان
يُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ). قال
عُمَرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه: "مَن كَثُرَ كَلامُه، كَثُرَ سَقَطُه،
ومَن كَثُرَ سَقَطُه، كَثُرَت ذُنُوبُه". ورَحِمَ اللهُ مَنْ قال: " ما
نَدِمْتُ عَلى السُّكُوتِ مَرَّة، ولكنْ نَدِمتُ عَلى الكلامِ مِرارا ".
فاحْفَظْ لِسانَكَ أَيُّها المسلمُ عَنْ
كُلِّ ما يُسْخِطُ الله. وَأَعْظَمُ ذلك:
الأَلْفاظُ الشِّرْكِيَّةِ، كَدُعاءِ غَيْرِ اللهِ، والاسْتِغاثَةِ بِالأَمْواتِ،
والحَلِفِ بِغَيْرِهِ، وقَوْلِ لَوْلا اللهُ وفُلانٌ، وما شاءَ اللهُ وشاءَ فُلان.
ومِنَ الأقوالِ
المُحَرَّمة: الفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَإِنَّ القَوْلَ عَلَى اللهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ قَرِينُ الشِّرْكِ. ومِنْ ذلك:
القَذْفُ والوُقُوعُ في أعْراضِ المسلمين والمسلماتِ، فإنَّه مِن المُوبِقاتِ
المُهْلِكَةِ. ومِن ذلك: أَنْ يَقُولَ المسلمُ في أخِيهِ
المسلِمِ ما لَيْسَ فِيه، فَإِنَّ ذلك مِنْ أكبرِ أسبابِ سَخَطِ اللهِ،
وَكَثيرٌ مِن المسلمين اليَوْمَ يَتَساهَلُونَ في رَمْيِ التُّهَم وتَشْوِيهِ
السُّمْعَةِ جُزافًا بِدُونِ بَيِّنَةٍ، وَقَدْ قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه
وسلم: ( مَنْ قال فِي مؤمِنٍ ما لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَه اللهُ رَدْغَةَ الخَبَالِ
حَتى يَخْرُجَ مِمَّا قال ). ثُمَّ اعْلَمْ أيُّها
المسلمُ أَنَّكَ قَدْ تَتَسَرَّعُ وتُطْلِقُ كَلِمَةً فَتَنْدَمُ عَلَيْها
عُمُرَك، وَتَتَمَنَّى أَنَّك سَكَتَّ وَلَمْ تَقُلْها، فَإِنَّ العَبْدَ يَمْلِكُ
نَفْسَه ما دامَ صامِتًا، فإذا تَكَلَّمَ فَلا بُدَّ أَنْ يُراقِبَ لِسانَه،
فَيَجْعَلَهُ كَمَنْ يَمْشِي حافِيًا عَلَى أَرْضٍ ذاتِ شَوْكٍ، لا يَخْطُو إلا
بِحَذَرٍ.
ومِنْ الأقوالِ
المُحَرَّمَةِ: الغِيبةُ، والكَذِبُ، وشهادةُ الزُّورِ، والسَّبُّ والشَّتْمُ
والَّلعْنُ، والغِناءُ. وغَيْرُ ذلك مِمَّا حَرَّمَ الله.
واعْلَمْ أيُّها
المسلمُ: أَنَّ العَبْدَ لا يَسْهُلُ عَلَيْهِ حِفْظُ لِسانِه عَنْ الحرامِ،
إلا إذا أَشْغَلَه بِقِراءَةِ القُرآنِ، والذِّكْرِ والاستغفارِ، والكلامِ
الطيِّبِ الذي يُحِبُّه اللهُ ويأمُرُ به.
وذَكَرَ بَعْضُ
أهْلِ العِلْمِ أَنَّ المُرادَ بالفَمِ أَو بِما بَيْنَ اللَّحْيَيْن،
أعمُّ مِنْ ذلك، فَيَدْخُلُ فِيهِ أيْضًا ما يَصِلُ إلى الجَوْفِ مِن الحَرامِ،
كَأَكْلِ الرِّبا والرَّشْوَةِ والمُخَدِّراتِ وشُرْبِ الخُمُور والدُّخَان.
وأمَّا حِفْظُ
الفَرْجِ: فَإِنه مِنْ صِفاتِ وَرَثَةِ الفِرْدَوْسِ المَذْكُورِين في
سورةِ المؤمنون، والمُرادُ بِذلك: حِفْظُهُ عن
الزِّنا واللِّواطِ والاستمتاعِ المُحَرَّمِ. ولِخُطُورَتِهِ
وَعِظَمِ شَرِّه، سَدَّ الشارعُ الحكيمُ جَمِيعَ الأَبْوابِ والسُّبُلِ
المُفْضِيَةِ إِلَيْهِ. حَيْثُ أَمَرَ بِغَضِّ البَصَرِ، وأَمَرَ مَن اسْتطاعَ
الباءَةَ مِن الشبابِ بالزواجِ. وَأَمَرَ النساءَ بالحِجابِ والقَرارِ في
البُيُوتِ، وعَدَمِ الخُضُوعِ بالقَوْلِ، وعَدَمِ الخَلْوَةِ مَعَ الأَجْنَبِيِّ،
وعَدَمِ دُخُولِ غَيْرِ المَحارِمِ على النساءِ، وعَدَمِ سَفَرِ المَرْأَةِ
بِدُونِ مَحْرَمٍ. وَأَمَرَ بِجَلْدِ الزاني البِكْرِ مائَةَ جَلْدَةٍ. وَأَمَر
بِرَجْمِ المُحْصَنِ بالحِجارةِ حَتى المَوْتِ. كُلُّ ذلك حِمايَةً لِلفُرُوجِ
والأعراضِ والأنْسابِ، وتطَهْيِرًا للقُلُوبِ والمُجْتَمَعِ مِن هذا الجُرْمِ
الكبير.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الْحَمْدُ للهِ عَلى
إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله
إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى
اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عبادَ الله: وَمِن الزَّواجِرِ عن الزنا،
ما ذَكَرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن عُقُوبَةِ الزُّناةِ، فَفِي الصحيحين
عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في
خَبَرِ الرُّؤْيا الطوِيلِ: ( فَانْطَلَقْنا فَأَتَيْنا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ،
أعْلاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ واسِعٌ، فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْواتٌ، قال:
فَاطَّلَعْنَا فِيه فَإِذا فِيهِ رجالٌ ونِساءٌ عُراةٌ، فإذا هُمْ يَأْتِيهِمْ
لَهَبٌ مِن أَسْفَلَ مِنْهُم، فإذا أَتاهُمْ ذلك ضَوْضَوْا ـ أَيْ صاحُوا مِنْ
شِدَّةِ اللَّهَبِ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يا جِبريلُ؟ قال: هَؤُلاءِ الزُّناةُ
والزَّوَانِي ).
فاتَّقُوا اللهَ أيُّها المسلمون،
واعْلَمُوا أَنَّ الجنةَ حُفَّتْ بالمَكارِه، والنارَ حُفَّتْ بالشَّهَواتِ.
وجاهِدُوا أنْفُسَكُم في ذاتِ الله.
اللهم
احْمِ أعْراضَنا، واحْفَظْ فُرُوجَنا، وطَهِّرْ أَلْسِنَتَنا وقُلُوبَنا، اللهم آت
نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم خلصنا من حقوق
خلقك وبارك لنا في الحلال من رزقك وتوفنا مسلمين واجعلنا في الآخرة من الصالحين، اللهم
أَلِّفْ بينَ قُلُوبِنا وأصلِحْ ذاتَ بينِنا واهدنا سُبُلَ السلام، ونَجَّنا من
الظُّلُماتِ إلى النُّور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو
عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا،
واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر،
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها،
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه
وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك
واتقاك واتبع رضاك، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله
عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا رب
العالمين، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم احفظ بلادنا
مما يكيد لها، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها،
وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات
الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-119.html |