من أسماء الله الحسنى:
العفو-الغفور-الغفار-التواب
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله-صلى الله وسلم عليه- وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى واعلموا أن من أسماء الله الحسنى: العفو- الغفور- الغفار-التواب:
قال الله تعالى:{ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}، وقال تعالى: {فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُورًا}، وقال تعالى: {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}، وقال تعالى: {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وقال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}، وقال تعالى: {وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، وقال تعالى:{غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.
والعفُوُّ هو الذي يمحو السيئات ويزيلها ، ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريب من الغفور ولكنه أبلغ وأعم ، فإن الغفران ينبئ عن السَتْر، والعفو ينبئ عن المحو والتواب هو الذي يتوب على من يشاء من عباده بالتوفيق للتوبة، كما قال سبحانه: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ}، وبالقبول لها، كما قال سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}، فعفوه ومغفرته، وسعت المخلوقات والذنوب والجرائم، فهو سبحانه لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالصفح والغفران موصوفاً، قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً}، وقال تعالى:{وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً}، والتقصير الواقع من الخلق يقتضي العقوبات المتنوعة، ولكن عفو الله ومغفرته، تدفع هذه الموجبات والعقوبات، قال الله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً}، ومن هذا الباب ما ورد في الصحيحين، من حديث أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ( ليس أحدٌ أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله إنهم ليدعون له ولداً وإنه ليعافيهم ويرزقهم) .
وعفوه سبحانه وتعالى نوعان:
النوع الأول: عفوه العام عن جميع المجرمين من الكفار وغيرهم الذين يؤذونه بالسب، والشرك، وغيرهما من أصناف المخالفات، وهو-جل وعلا- يعافيهم، ويرزقهم، ويُدِرُّ عليهم النعم الظاهرة والباطنة، ويبسط لهم الدنيا، ويعطيهم من نعيمها، ومنافعها، ويمهلهم، ولا يهملهم، بعفوه وحلِّه سبحانه.
والنوع الثاني: عفوه الخاص، ومغفرته الخاصة للتائبين، والمستغفرين، والداعين، والعابدين، والمصابين بالمصائب المحتسبين، فكل من تاب إليه توبة نصوحًا، وهي الخالصة لوجه الله، العامة، الشاملة، التي لا يصاحبها تردد ولا إصرار، فإن الله يغفر له من أي ذنب كان، من كفر وفسوق وعصيان، وكلها داخلة في قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
وقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة، في قبول الله تعالى التوبة من عباده من أي ذنب كان، وكذلك الاستغفار المجرد، يحصل به من مغفرة الذنوب والسيئات بحَسَبِه، وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: (يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيك بقرابها مغفرة).
وكذلك من عفوه سبحانه أن الحسنات والأعمال الصالحة تكفر السيئات والخطايا، قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ}، وفي الحديث: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
وكذلك من عفوه سبحانه، أن المصائب التي تصيب العبد في نفسه، أو ولده، أو ماله، تكفر سيئاته خصوصًا إذا احتسب ثوابها، وقام بوظيفة الصبر والرضا.
ومن عظيم عفوه سبحانه، أن العبد يبارز ربه بالعظائم والجرائم، فيلْطُفُ به ربُّه، ويحُِلُّ عليه عفوه، فيشرح صدره للتوبة، ويتقبل منه متابا، بل إنه سبحانه يفرح بتوبة عبده إذا تاب، مع أنه غنيٌ حميد، لا تنفعه طاعة من أطاع، ولا تضره معصية من عصى.
روى مسلم في صحيحه، من حديث أنس بن مالك-رضي الله عنه- عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه).
وينبغي هنا أن يعلم، أنَّ عِلْمَ العبد بهذه الأسماء العظيمة، باب عظيم لنيل عالي المقامات، ولا سيما مع مجاهدة النفس على تحقيق مقتضياتها، من لزوم الاستغفار، وطلب العفو، ودوام التوبة، ورجاء المغفرة، والبعدِ عن القنوط، وتعاظم غفران الذنوب، فهو سبحانه عفوٌّ غفور، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، مهما بلغ الذنب وعظم الجرم، والعبد على خير عظيم ما دام طالباً عفو ربه، راجياً غفرانه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
وتأمل في هذا المقام ماروه البخاري ومسلم في صححيهما عن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن النبي-صلى الله عليه وسلم- فيما يحكيه عن ربه-عز وجل- أنه قال: (أذنب عبدٌ ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال:أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك). أي: ما دمتَ تائباً، أوَّاها، منيبًا، وأبواب عفوه وغفرانه مفتوحة، ولم يزل ولا يزال عفوَّاً غفوراً.
وقد وعد-جل وعلا- بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها، قال:-جل وعلا: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}.
اللهم من علينا بعفوك، وأكرمنا بغفرانك، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنّا وما أسرفنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم آتِ نفوسنا تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان اللهم واحقن دمائهم وآمنّهم في أنفسهم وأموالهم، اللهم جنبنا والمسلمين من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|