خطر الفتوى بغير علم
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادى له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه . أما بعد: عباد الله,
اتقوا الله, وعظموا أمره ونهيه, فإذا أمركم فأطيعوه, وإذا نهاكم فانتهوا, لأن عبوديته سبحانه وتعالى مَبْنيَـةً على الأمر والنهى .
أيها الناس: أمر الله عز وجل بسؤال أهل العلم, لقوله تعالى: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {43}} النحل.
وجعل المرد لهم عند النوازل, والفتن, والأمر الجلل, لأنهم يدركون مالا يدركه غيرهم, ويعلمون مالا يعلمه غيرهم , وعندهم من قوى البصائر المستمدة من الوحي, ما ليس عند غيرهم, قال تعالى: { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } الآية :83 النساء.
وقال تعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59} } النساء.
والرد إلى الله برَّدِ إلى كتابه, والرد إلى الرسول برَّدِ إلى سنته, وأَعلَم الخلق بكتاب الله, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, هم أهل العلم , قال عليه الصلاة والسلام: "ألا سألوا إذا لم يعلموا"؛ أي سألوا أهل العلم عما أشكل عليهم, وجاءت الآيات والأحاديث التي فيها النهي الشديد, والوعيد, على من قال على الله, أو على الرسول صلى الله عليه وسلم, أو أفتى بغير علم, فمن ذلك قوله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {168} إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {169}}البقرة.
وقوله:{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {33}} الأعراف.
فجعل القول عليه بغير علم قريناً للشرك, وقال سبحانه: { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {36}} الأسراء.
وقال تعالى:{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ {116}} النحل.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن أفتوا بغير علم : " قتلوه قتلهم الله, ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال ) رواه أبو داود وغيره0
وأخبر عليه الصلاة والسلام :" أن العلم يقبض في آخر الزمان, فيفتي رؤوس جهال يسألون فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون ) متفق عليه0
أيها الناس:
إن شأن الفتوى عظيم, لأن الفتوى بلوى, كما قيل فمن كان عنده علم قال به, ومن ليس كذلك, فليقل: الله أعلم, فإنها نصف العلم, ومن تقوى الله عز وجل ألا تخوض في مسائل لا تحسنها, لأن الفتوى تستباح بها الفروج, وكذلك تحرم بها الفروج, وتؤكل بها الأموال, وتستغل بها الدماء.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يتوقفون عن الفتوى في بعض المسائل, مع ما أعطاهم الله عز وجل من علم, قال ابن سيرين: لم يكن أحد أهيب مما لا يعلم من أبي بكر, ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب مما لا يعلم, من عمر.
وكم من السلف رحمهم الله من سئل, فقال: لا أعلم, أو لا أُحسن, أو سل غيري, أو سل العلماء, وذلك لتقواهم وورعهم, ولكن لما قل العلم والورع, ركب الفتوى الصعب والذلول, فأصبح يفتي من لا يدري, ولا يعلم, وأصبحت الفتوى من أسهل الأمور على الجهال, حتى أفتوا في الدماء, والأموال, فسفكت الدماء ببعض الفتاوى الضالة, ودمرت الممتلكات كذلك, وضلل العلماء, وكفر الحكام, وحكم على الناس بالردة, ألا فاتقوا الله عباد الله, وانظروا عمن تأخذون دينكم, واحذروا الجهال, والمتعالمين, والأنصاف, فإن هلاك الأمة على أيديهم.
وأنتم أيها الشباب احذروا الفتاوى الشاذة, التي لا زمام لها, ولا خطام, فإنها توقعكم في المهالك, واصدروا عن علمائكم, فإن الأخذ عن العلماء نجاة, والأخذ عن الجهال هلاك, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {144} }الأنعام.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه, وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم0
|