حكم الضرار
إن الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه, أما بعد:
أيها الناس:
اتقوا الله, وكونوا عباد الله إخواناً, كما سماكم الله, وأمركم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله :" وكونوا عباد الله إخوانا ".
يجب أن يحب أحدكم لأخيه ما يحب لنفسه , ويكره له من الشر ما يكره لنفسه , يبذل خيره لأخيه, ويكف عنه شره ولا يؤذيه "()
مفتاحاً للخير, مغلاقاً للشر, معيناً على البر والتقوى , وناهياً عن الإثم والعدوان .
أيها الناس :
روى الإمام أحمد وابن ماجة بسند حسن, من حديث ابن عباس, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا ضرر ولا ضرار ".
فاشتمل هذا الحديث على تحريم الضرر بجميع أنواعه, وصوره, وأشكاله, حتى ولو ظهر بمظهر الحسن, وباطنه ضرر, فالإسلام يحرمه, لأن الضرر ضد النفع, وفي الحديث:" من ضار مسلماً, ضاره الله, ومن شاق مسلماً, شاق الله عليه ". رواه أبو داود والترمذي والحاكم والدارقطني .
والمضارة يا عباد الله! أنواع كثيرة منها :
الإضرار في الوصية :
كأن يوصي لبعض الورثة بزيادة على فرض , لذا قال عليه الصلاة والسلام :" إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه, فلا وصية لوارث " رواه أهل السنن من حديث أبي إمامة الباهلي .
ومن الأضرار في الوصية, أن يوصي بزيادة على الثلث , والوصية بما زاد على الثلث حرام , لقوله صلى الله عليه وسلم :" الثلث والثلث كثير ". متفق عليه
ومن المضارة المضارة, في العشرة الزوجية , كأن يحجب عن زوجته النفقة , أو يحملها ما لا تطيق , أو لا يعدل بين زوجاته إن كان له أكثر من زوجة , قال عليه الصلاة والسلام :" من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ". حديث صحيح رواه أهل السنة.
ومن المضارة الزوجية, أن يطيل السفر ويبقى مدة طويلة عنها , وهذا لا يجوز بغير عذر.
ومن المضارة الزوجية, أن يطلقها, فإذا قاربت انتهاء العدة, راجعها لأجل الإضرار بها, لا لأجل إعادتها إلى عصمته.
قال تعالى :{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {231}}البقرة
ومن أنواع المضارة التي جاء القرآن بمنعها :
المضارة في تربية الأولاد والرضاع, قال تعالى : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {233}}البقرة.
فإضرار الوالدة بولدها؛ أن يُنزع ولدُها منها, من أجل الإضرار بها وإضرار المولود له (وهو الأب) بولده؛ أن تأبى أمه أن ترضعه, ليتكلف الأب طلب المراضع والمربيات له من غيرها.
ومن أنواع المضارة المحرمة:
الإضرار بالعمال والخدم , كتكليفهم من الأعمال مالا يطيقون , أو منع أجرتهم , أو المماطلة بسدادهم , قال عليه الصلاة والسلام :" أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ". رواه ابن ماجة, عن ابن عمر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر, ورجل باع حراً فأكل ثمنه, ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه, ولم يعط أجره"رواه البخاري.
ومن المضارة المحرمة :
مضارة الشهود والكتاب , قال تعالى : { 000 وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {282}}البقرة. والإضرار بهما, أن يدعيا للكتابة, أو الشهادة, في وقت أو حالة تضرهما ،
وكذلك يحرم على الكاتب أيضاً بمن يكتب له كأن يخونه أو يكذب عليه.
ومن المضارة المحرمة:
المضارة بالمدين المعسر , حيث أمر الله بإنظاره إلى ميسرة, أو إعفائه من الدين, قال تعالى : {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {280}} البقرة.
ومن المضارة المحرمة :
المضارة بالجار , كأن يتعدى على ملكه, أو يؤذيه في نفسه, أو ولده, أو ماله, أو يقيم مصنعاً بقربه, يتضرر منه بالدخان, أو الغبار, أو الروائح, أو يؤذيه بالأصوات المحرمة, كالغناء, والموسيقى , أو يفتح نوافذ تطل على جاره, وتكشف عورة منزله, أو يعلي البناء عليه, بلا حائل بينه وبينه , قال عليه الصلاة والسلام :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ". وقال عليه الصلاة والسلام :" والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن, قيل: من يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه " متفق عليه .
وقال عليه الصلاة والسلام :" مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ".
لذا تحرم المضارة به, والإضرار به, أو عمل كل شيء يعود بالضرر عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات, والذكر الحكيم, إنه تعالى كريم بر رؤوف رحيم0
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد:
ومن المضارة, ما وقع به كثير من الناس في هذا الزمان :
وهو قيام بعض أصحاب المحطات, والمحلات التجارية, بوضع جوائز لمن يشتري منها, فيتسابق الناس إليها, ويدعون المحلات الأخرى, ولا شك أن هذا الفعل غير جائز, لما فيه من الضرر, على أصحاب المحلات الأخرى, وكذلك هذه الجوائز لا تكون لكل مشتري, بل هي لجميع المشترين, وتجري بينهم قرعة, وهذا قريب من فعل الميسر المحرم , ويكفي تحريمه, ما يحصل من الضرر للآخرين, وكذا تجمهر الناس عند أبواب المحلات, عند فرز أرقام الفائزين.
أيها الناس:
هذا غير معروف في أسواق المسلمين, ولا شك أنه مستورد من الشرق, أو الغرب, فاتقوا الله أيها التجار! واعلموا أنكم بفعلكم هذا تسببون ضرراً لغيركم .
وأنتم أيها الناس:
اتقوا الله, ولا تعينوا على الإثم والعدوان أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {00وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {2}}المائدة.
اللهم فقهنا في دينك وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين اللهم وفق ولاة أمرنا لما يرضيك واجعلهم من أنصار دينك وارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير وجنبهم بطانة السوء يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار يا سميع الدعاء، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات، اللهم أعزّ الإسلام، اللهم أعزّ الإسلام وأهله في كل مكان, وأذلّ الشرك وأهله, اللهم انصر دينك وأعلِ كلمتك, وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا محمد.
|