خطبة عيد الأضحى
إن الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهده اللهُ فلا مضلَّ له؛ ومنْ يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلمَ تسليماً كثيراً. أما بعد:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد،:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى, وتذكّروا الحكمة التي من أجلها خلقكم الله, واعلموا أن التوحيد أوجب الواجبات وأولها, وهو أصل الدين وأساس المِلَّة. فيجب العناية به تعلُّما وعملا ودعوة.
تأملوا يا عباد الله, مظاهر التوحيد في عشر ذي الحجة وأيام التشريق:
فقد أكد الله تعالى فيها على أعمال أربعة كلها تعلن بالتوحيد وإفراد الله بالعبادة, وترك الشرك.
أولها: التحميد والتكبير والتهليل.
الثاني: في يوم عرفة, فإن أعظم الذكر الذي يقال في أيام العشر, يُقَال في يوم عرفة: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ).
الثالث: حج بيت الله الحرام, فإن هذا البيت أُسِّسَ على التوحيد, كما قال تعالى: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ).
ومن ذلك: رفع الأصوات بالتلبية, ( لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ).
ومن ذلك: تخصيص الطواف بالكعبة, مع إعلان اسم الله في بدايته, وذلك بالتكبير, فلا يجوز الطواف بغيرها على وجه الأرض, لا بالأضرحة, ولا بالأشجار, ولا بالأحجار.
ومن ذلك أن العبد إذا طاف بالبيت شًُرِِعَ له أن يصلي ركعتين يقرأ فيهما سورتي الإخلاص, قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون.
ومن ذلك: السعي بين الصفا والمروة, امتثالاً لقوله تعالى: ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ).
ومن ذلك: أن الله أمر بذكره أثناء أداء المناسك, ونهى عن ذكر غيره من الرؤساء والعظماء الأحياء والأموات, وعن المفاخرة بالأحساب والأنساب, فقال: ( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ).
ومن ذلك: ما شرعه الله يوم العيد وأيام التشريق من ذكر الله وحده, قال تعالى: ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ), وكذلك رمي الجمار, والتكبير مع كل حصاة.
الرابع: الهدي والأضاحي: وذكر اسم الله عند الذبح, كما قال تعالى: ( لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ), فلا يجوز أن يُذبح لقبر, ولا لولي, ولا لجني أو أي مخلوق, لأن الذبح عبادة, وصرفها لغير الله شرك أكبر.
عباد الله: ( كل المسلم على المسلم حرام, دمه وماله وعرضه ), هذا هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولِعِظَم شأن هذا الأمر, أكَّدَ عليه في حجة الوداع, وفي أكبر مجامع الإسلام: يوم عرفة, ويوم النحر, وفي أوسط أيام التشريق. فالمؤمن دمه حرام, ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ). وقال عليه الصلاة والسلام: ( قتل المؤمن عند الله أعظم من زوال الدنيا ). وكذلك مال المسلم حرام, وأخذه بغير حق حرام, سواء كان سرقةً أو غصباً, أو غشاً, أو عن طريق الربا, أو غير ذلك من الوسائل, ولا يجوز أخذه بغير طيب منه. وكذلك عرضه حرام, فقذفه حرام, وغيبته حرام. ويدخل في ذلك, عدم إيذائه في محارمه, فإن ذلك من أعظم الخيانة.
عباد الله: الصلاة عمود الدين: فحافظوا عليها في وقتها مع الجماعة ولا تتساهلوا في ذلك, فإن المحافظة عليها مع الجماعة في المساجد من أعظم علامات الإيمان. والتكاسل عنها جماعة من علامات النفاق.
عباد الله: لقد حرم الله كل ما يثير العداوة والبغضاء بين المسلمين, فحرم الخمر والميسر وحرم النميمة والنجش والغش في البيع. وحَرَّم الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب. كل ذلك من أجل اجتماع القلوب والبعد عن العداوات التي قد تفضي إلى سفك الدماء أو الهجر والقطيعة, وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, فمن هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار ).
عباد الله: إجتماع المسلمين في هذه الأيام, يذكرنا بأهمية اجتماع الكلمة ووحدة الصف, والبعد عن الفرقة والإختلاف, التي شتتت شمل الأمة, وأضعفت قوتها.
والإجتماع يستحيل تحقيقه بدون بذل أسبابه, ألا وهي:
إخلاص الدين لله, ووحدة العقيدة, والسير على ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة, بالحكمة والموعظة الحسنة, أما مع تنوع المذاهب والمشارب, فلن يتحقق الإجتماع. يقول الإمام مالك رحمه الله: ( لن يُصلح آخِرَ هذه الأمة إلا ما أَصلَحَ أولها ). وهذا الأثر السلفي يجب أن يَعِيَه المسلمون على وجه العموم, وولاة الأمر من حكام وعلماء على وجه الخصوص.
عباد الله: أكل الحرام, سبب لفساد الأخلاق, ومحق البركة, ونزول الكوارث على الممتلكات, ومنع استجابة الدعاء. فأطيبوا مطعمكم رحمكم الله, بالإبتعاد عن الربا, والغش في البيع والشراء, والدخول في المعاملات المحرمة. وتقاضي الرواتب مع الإخلال بأمانة الوظيفة.
أيها الآباء: تذكّروا قول الله تعالى: ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ), فألزموا أنفسكم تقوى الله, وأصلحوا من تحت ولايتكم من زوجة وبنين وبنات, فإنكم مسؤولون عنهم يوم القيامة, ولن تُعْذَروا إذا قَصَّرتم في ذلك.
الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.
عباد الله: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه, ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نُسُكُه وأصاب سنة المسلمين ). فالذبح عبادة يجب أن تكون على وفق ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم, في وقته وكيفيته, ومعرفة ما يُذْبَح من بهيمة الأنعام, فمن الإبل ما تم له خمس سنين, ومن البقر ما له سنتان, ومن المعز ما له سنة, ومن الضأن ما له نصف سنة. وتجب السلامة من العيوب الظاهرة البينة, وهي: العَوَرُ البيِّن, والعرجُ البيّن, والمرضُ البيّن, والهزال. وكذلك ما كان مشابها لهذه العيوب أو أشد, فإنه يمنع الإجزاء.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم يسر للحجيج حجهم, اللهم اجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً، واحفظهم من كل مكروه, اللهم ردهم إلى أهليهم وأوطانهم سالمين غانمين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح شبابنا وشباب المسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم انصر جُندنا المجاهدين في سبيلك، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم مَنْ أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء، اللهم وفقّ وُلاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حببّ إليه الخير وأهله وبغضّ إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقهم وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صلاحُ أمر الإسلام والمسلمين يا رب العالمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد .
|