( خطبة جمعة )
وافقت يوم عيد الأضحى
إن الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهده اللهُ فلا مضلَّ له؛ ومنْ يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلمَ تسليماً كثيراً. أما بعد:
عباد الله: هذا اليوم, هو يوم الحج الأكبر, سُمِّي بذلك, لاجتماع أعمال الحج فيه, ويشاركهم بقية المسلمين في الذبح فيذبحون الأضاحي, تقربا إلى الله تعالى.
وبعد يوم النحر, أيام التشريق, وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر, وهي الأيام المعدودات التي أمر الله بذكره فيها بقوله: ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ), وسُمِّيَت بأيام التشريق: لأن الحجاج كانوا ينشرون لحوم هديهم وأضاحيهم تحت الشمس, كي تجف.
وفي هذه الأيام أحكام:
أولها: أن الحجاج يبتون لياليها في منى, وهذا من واجبات الحج.
الثاني: رمي الجمار في هذه الأيام, فيرمي المتعجل يومين, والمتأخر ثلاثة أيام, قال تعالى: ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ).
الثالث: أنها أيام أكل وشرب, روى مسلمٌ في صحيحه عن نبيشةَ الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى )، وعن أبي مُرَّة مولى أم هانئ رضي الله عنها, أنّه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاص رضي الله عنهم في أيام التشريق، فقرّب لهما طعامًا، فقال: كُلْ. فقال: إني صائم. فقال: كُلْ، فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بإفطارها، وينهى عن صيامها . رواه أبو داود. وهذا يدل على تحريم صيامها, إلا لمن لم يجد الهدي من الحجاج, لقول عائشة, وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم: ( لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْن إلا لمن لم يجد الهدي ).
وأما غيرهم فلا يجوز لهم الصيام, حتى الشخص الذي عليه صيام شهرين متتابعين, أو صيام نذر متتابع, فإنه يتوقف يوم العيد وأيام التشريق ثم يكمل بعدها. وكذلك من كان معتاداً على صيام الأيام البيض, وهي الثالث عشر, والرابع عشر, والخامس عشر, فإنه يصومها باستثناء الثالث عشر لأنه من أيام التشريق. وهكذا من كان معتاداً صيام الاثنين أو الخميس فوافق أيام التشريق, فإنه لا يصومها.
الرابع: التكبير والتحميد والتهليل, فإنه يستمر إلى غروب اليوم الثالث عشر, ومن أهل العلم من قيده بأدبار الصلوات, ومنهم من أطلق, لعدم الدليل على التفريق في التكبير إلى مطلق ومقيد, وهذا القول قوي. فالتكبير كله مطلق, من بداية عشر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق.
الخامس: الذبح فإنه مستمر في هذه الأيام, سواء للحاج أو غير الحاج. فمن لم يضحي من المسلمين, ثم بدا له أن يضحي في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر فله ذلك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين؛ ولا عدوان إلا على الظالمين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد عباد الله:
إنَّ من أعظم أسباب ضعف الإيمان: حب الدنيا وعدم ذكر هادم اللذات الموت، بل إن ذلك من أسباب تسلط العدو على المسلمين، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يُوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن . فقال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) فإيّاكم والانغماس في الدنيا والتعلق بها فإنها لا تزن عند الله جناح بعوضة, واجعلوها في أيديكم لا في قلوبكم. إن سعيتم في طلبها فاجعلوا ذلك من أجل الاستعانة بها على طاعة الله.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم يسر للحجيج حجهم, ووفقهم لإتمام نسكهم على الوجه الذي يرضيك، اللهم اجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً، واحفظهم من كل مكروه, اللهم ردهم إلى أهليهم وأوطانهم سالمين غانمين مقبولين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء, اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|