جُمْعَةٌ يَوْم عَرَفَة
الْحَمْدُ للهِ ، اَلْمُتَفَرِّدِ بِالْإِيْجَاْدِ وَاَلْاِخْتِيَاْرِ ، اَلْمُنَزَّهِ عَنْ مُشَاْبَهَةِ اَلْأَغْيَاْرِ ، } كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ{ أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ سُلطَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ } أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ { ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، صَلَىْ اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَاْبِهِ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، فَلْنَتَقِ اللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ - جَعَلَنِيْ اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
مِنْ اَلْنِّعَمِ اَلْعَظِيْمَةِ، اَلَّتِيْ يُنْعِمُ بِهَاْ اللهُ U عَلَىْ عِبَاْدِهِ : تَهْيِئَةُ اَلْأَوْقَاْتِ، وَاَلإِسْتِفَاْدَةُ مِنْ اَلْمُنَاْسَبَاْتِ بَالْطَّاْعَاْتِ، وَاسْتِغْلَاْلُ مِنَحِ اللهِ U بِالْعِبَاْدَاْتِ، وَمِنْ ذَلِكَ - أيها الإخوة - هَذَاْ اَلْيَوْم ، يَوْمُ اَلْجُمَعَةِ ، وَاَلَّذِيْ يُوَاْفِقُ يَوْمَ عَرَفَة ، فَاجْتِمَاْعُ اَلْجُمُعَةِ وَعَرَفَة، نِعْمَةٌ عَظِيْمَةٌ ، وَمِنْحَةٌ رَبَاْنِيَةٌ كَرِيْمَةٌ، فَفِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ، قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ t: أَيُّ آيَةٍ ؟ قَالَ اَلْيَهُوْدِيُ: } اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا { قَالَ عُمَرُ t: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ r ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ .
فَاجْتِمَاْعُ اَلْجُمُعَةِ وَعَرَفَةَ - أيها الإخوة - مُنَاْسَبَةٌ لَهَاْ فِيْ دَيْنِ اللهِ U مِيْزَةٌ ، وَلَهَاْ فِيْ نُفُوْسِ اَلْمُؤْمِنِيْنَ مَكَاْنَةٌ ، يَكْفِيْ فِيْ ذَلِكَ: أَنْ اَلْنَّبِيَ r ، كَاْنَتْ وَقْفَتُهُ فِيْ عَرَفَة، حَيْنَ حَجَّتِهِ r ، كَاْنَتْ فِيْ مِثْلِ هَذَاْ اَلْيَوْم. وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ r: (( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ )) وَفِي لَفْظٍ : (( سَيِّدُ الْأَيَّامِ ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ )) ، وَأَمَّاْ يَوْمُ عَرَفَة فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ يَقُوْلُ r: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ )) فَيَومُنَاْ هَذَاْ ، يَوْمٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ فِيْ اَلْأَيَّاْمِ ، وَقَلَّ مَاْ يَتَكَرَّرُ فِيْ اَلْشُّهِوْرِ وَاَلْأَعْوَاْمِ ، فَيَنْبَغِيْ لَنَاْ اِسْتِغَلَاْلُهُ ، وَاَلْمُبَاْدَرَةُ إِلَىْ خَيْرَاْتِهِ وَفَضَاْئِلِهِ، وَمَنْ ذَلِكَ كَثْرَةُ اَلْدَّعَاْءِ وَسُؤَاْلُ اللهِ U مَاْ نَحْتَاْجُهُ ، فَنَحْنُ كَمَاْ قَاْلَ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ: } يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ { ، فَالْدُّعَاْءُ فِيْ هَذَاْ اَلْيَوْمِ ، مِنْ اَلْأُمُوْرِ اَلَّتِيْ يَحُثُّ عَلَيْهَاْ اَلْدِّيْنُ، وَيُوْصِيْ بِهَاْ رَبُّ اَلْعَاْلَمِيْنَ ، وَيَنْدُبُ لَهَاْ خَاْتَمُ اَلْأَنْبِيَاْءِ وَإِمَاْمُ اَلْمُرْسَلِيْنَ r ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِr ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ : (( فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ )) وَأَشَارَ r بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا . يقول أَبُو هُرَيْرَةَ t : فَلَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ فَذَكَرْتُ لَهُ هَذَا الحَدِيثَ ، فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ بِتِلْكَ السَّاعَةِ ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِهَا وَلاَ تَضْنَنْ بِهَا عَلَيَّ - أي: لاَ تَبْخَلْ بِهَا عَلَيَّ- قَالَ: هِيَ بَعْدَ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، قُلْتُ : فَكَيْفَ تَكُونُ بَعْدَ العَصْرِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي؟ وَتِلْكَ السَّاعَةُ لاَ يُصَلَّى فِيهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فَهُوَ فِي صَلاَةٍ ؟ ، قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : فَهُوَ ذَاكَ .
هَذَاْ - أَيُّهَا الإِخْوَةُ - شَأْنُ اَلْدُّعَاْءِ ، فِيْ هَذَاْ اَلْيَوْم ، يَوْمُ اَلْجُمُعَة ، وَأَمَّاْ اَلْدُّعَاْءُ فِيْ يَوْمِ عَرَفَه ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ اَلْتِّرْمِذِيُ ، يَقُوْلُ r: ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ )) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : لَقَدْ رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ r عَشِيَّةَ عَرَفَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ ، فَيُرَى مَا تَحْتَ إِبْطَيْهِ .
فَشَأْنُ اَلْدُّعَاْءِ - أَيُّهَا الإِخْوَةُ - فِيْ هَذَاْ اَلْيَوْمِ شَأْنٌ عَظِيْمٌ ، فَيَنْبَغِيْ لَكَ أَخِيْ اَلْمُسْلِمِ ، أَنْ لَاْ تُفَرِّطَ فِيْهِ ، وَخَاْصَةً إِنْ كُنْتَ قَدْ صُمْتَ هَذَاْ اَلْيَوْم ، اَلَّذِيْ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ ، كَمَاْ قَاْلَ r فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ )) ، وَدَعْوَةُ اَلْصَّاْئِمِ ، مِنْ اَلْدَّعَوَاْتِ اَلْمُسْتَجَاْبَةِ ، لَقُوْلِ اَلْنَّبِيِ r : (( ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ : دَعْوَةُ الصَّائِمِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ )) فَاجْتِمَاْعُ اَلْجُمُعَةِ ، وَسَاْعَتِهَاْ اَلَّتِيْ ذَكَرَ اَلْنَّبِيُ r، وَيَوْمِ عَرَفَةَ، اَلَّذِيْ خَيْرُ اَلْدُّعَاْءِ دُعَاْؤُهُ، مَعَ كَوْنِ اَلْمُسْلِمِ صَاْئِمَاً ، يَجْعَلُ اَلْمُسْلِمَ يُعِدُّ لَهَذَاْ اَلْيَوْمِ عُدَّتُهُ، وَيَغْتَنِمُ خَيْرُهُ وَفَضْلُهُ، وَيَعْمُرُ سَاْعَاْتُهُ وَلَحَظَاْتُهُ ، يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُ r : (( مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ )) . قِيلَ : وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (( أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ )) . وَمَعْنَىْ يَزَعُ اَلْمَلَاْئِكَةَ : أَي يُرتِّبُهُمْ ويُسَوِّيهِمْ ويَصُفُّهُمْ لِلْحَرْبِ .
فَلَنَتَقِ اللهَ -أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ - وَلْنَحْرِصْ عَلَىْ اِسْتِغْلَاْلِ هَذَاْ اَلْيَوْمِ ، بِعَمَلِ مَاْ يُقَرِّبُنَاْ إِلَىْ اللهِ U ، وَخَاْصَةً اَلْدُّعَاْءَ ، وَلْنَحْذَرَ اَلْتَّفْرِيْطَ فِيْ هَذَاْ اَلْخَيْرِ اَلْعَظِيْمِ ، اَلَّذِيْ وَفَّقَنَاْ اللهُ U لَهُ ، وَفَسَحَ فِيْ أَجَاْلِنَاْ وَأَدْرَكْنَاْهَ .
أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ اَلْشَّيْطَاْنِ اَلْرَّجِيْمِ: } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { بَاْرَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِاْلقُرَآنِ الْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فِيْهِ مِنَ الآيَاْتِ وَالْذِّكْرِ الْحَكِيْمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
وَأَمَّاْ يَوْمُ غَدٍ ، فَإِنَّهُ يَوْمُ عِيْدِ اَلْأَضْحَىْ ، يَقُوْلُ اَلْنَّبِيُ r كَمَاْ فِيْ اَلْسُّنَنِ لِأَبِيْ دَاْوُد: (( إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ ))، فَعَلِيْكَ - أَخِيْ اَلْمُسْلِمِ - أَنْ تَحْرِصَ عَلَىْ صَلَاْةِ اَلْعِيْدِ ، وَحُضُوْرِهَاْ مَعَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، فَقَدْ رَجَّحَ بَعْضُ أَهْلِ اَلْعِلْمِ ، وَمِنْهُمْ شَيْخُ اَلْإِسْلَاْمِ اِبْنُ تَيْمِيَةَ بِأَنَّ صَلَاْةَ اَلْعِيْدِ وَاْجِبَةٌ، وَاسْتَدَلُّوْا بِقُوْلِهِ تَعَاْلَىْ: } فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ{ ، فَلَاْ تَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ إِلَّاْ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍ ، حَتَىْ اَلْنِّسَاْءِ ، عَلَيْهِنَّ أَنْ يُصَلِّيْنَ اَلْعِيْدَ، وَيَشْهَدْنَ صَلَاْةَ اَلْعِيْدِ مَعَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، بَلْ حَتَّىْ اَلْحِيَّضِ ، إِلَّاْ أَنَّ اَلْحِيَّضَ يَعْتِزِلْنَ اَلْمُصَلَّىْ .
فَإِذَاْ كَاْنَتِ اَلْمَرَّأَةُ اَلْحَاْئِضُ، اَلَّتِيْ تُعْفَىْ مِنَ اِلْصِّيَاْمِ وَاَلْصَّلَاْةِ وَاَلْجِمَاْعِ وَمَسِّ اَلْمُصْحَفِ وَاَلْطَّوِاْفِ، يُسْتَحَبُّ لَهَاْ أَنْ تَخْرُجَ لِتَسْمَعَ مَوْعِظَةَ اَلْعِيْدِ ، فَكَيْفَ تَطُيْبُ نَفْسُكَ فِيْ بَيْتِكَ ، أَقْعَدَكَ عَدَمُ اِحْتِسَاْبِكَ لِأَجْرِ رَبِّكَ U .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
وَمِنْ اَلْعِبَاْدَاْتِ اَلْعَظِيْمَةِ ، فِيْ يَوْمِ اَلْعِيْدِ وَاَلْثَّلَاْثَةِ اَلْأَيَّاْمِ اَلَّتِيْ بَعْدَهُ: اَلْأُضْحِيَةُ، فَهِيَ مَشْرُوْعَةٌ بِالْكِتَاْبِ وَاَلْسُّنَةِ، بَلْ وَإِجْمَاْعِ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، لَاْ يَنْبَغِيْ لِلْقَاْدِرِ أَنْ يَتْرُكَهَاْ ، وَلَاْ تَجُوْزُ إِلَّاْ مِنْ بَهِيْمَةِ اَلْأَنْعَاْمِ: اَلْأِبِلِ وَاَلْبَقَرِ وَاَلْغَنَمِ، لِقُوْلِهِ تَعَاْلَىْ : } وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ { وَيُشْتَرَطُ فِيْ ذَلِكَ اَلْعُمُر ، فَلَاْ يُجْزِيْ مِنْ اَلْأِبِلِ إِلَّاْ مَاْ بَلَغَ خَمْسَ سَنَوَاْتٍ ، وَمِنْ اَلْبَقَرِ إِلَّاْ مَاْ بَلَغَ سَنَتِيْنِ ، وَمِنْ اَلْغَنَمِ مَاْ بَلَغَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مِنْ اَلْضَأْنِ وَسَنَّةً مِنْ اَلْمَعِزِ، أَمَّاْ مَاْ قَلَّ عُمُرُهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَاْ يُجْزِيْ كَأُضْحِيَة ، حَتَّىْ وَلُوْ كَاْنَ لَحْمُهُ أَطْيَبُ عَنْدَ بَعْضِ اَلْنَّاْسِ، وَمِنْ اَلْخَطَأِ - أَيُّهَا الإِخْوَةُ - أَنْ يُضَحِّيَ اَلْإِنْسَاْنُ عَنْ أَمْوَاْتِهِ وَيَتْرُكَ نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ اَلْأَحْيَاْء ، وَأَشَدُّ خَطَاْءً مِنْ يُضَحِّيْ عَنْ مَيِّتٍ لَهُ أَوْلَ سَنَّةٍ بِمَاْ يُسَمِّيْهَاْ بَعْضُهُمْ : أَضْحِيَةَ اَلْحُفْرَةِ أَوْ اَلْدِّفْنَةِ ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهَاْ وَاْجِبَةٌ ، وَلَاْ يُشْرِكُ فِيْهَاْ أَحَدٌ ، فَهِذِهِ بِدْعَةٌ لَاْ أَصْلَ لَهَاْ فِيْ كِتَاْبِ اللهِ وَلَاْ فِيْ سُنَّةِ رَسُوْلِهِ r ، وَلَاْ فِيْ عَمَلِ اَلْصَّحَاْبَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ يَقُوْلُ r : (( فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )) .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
وَمِنْ اَلْشُّرُوْطِ اَلْهَاْمَّةِ فِيْ اَلْأُضْحِيَةِ ، سَلَاْمَتُهَاْ مِنْ اَلْعُيُوْبِ ، لَأَنَّ اَلْنَّبَيَ r قَاْلَ : (( أَرْبَعٌ لاَ تَجُوزُ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِى لاَ تُنْقِى )) .
وَأَمَّاْ اَلْعُيُوْبُ اَلَّتِيْ دُوْنَ ذَلِكَ ، فَيَقُوْلُ اَلْشِّيْخُ اِبْنُ عُثَيْمِيْن - رَحَمَهُ اللهُ - لَاْ تَمْنَعُ مِنْ اَلْإِجْزَاْءِ ، فَتُجْزِئُ اَلْأُضْحِيَةُ بِمَقْطُوْعَةِ اَلْأُذُنِ وَبَمَشْقُوْقَةِ اَلْأُذُنِ مَعَ اَلْكَرَاْهَةِ ، وَتُجْزِئُ اَلْأُضْحِيَةُ بِمَكْسُوْرَةِ اَلْقَرْنِ مَعَ اَلْكَرَاْهَةِ، وَكُلَّمَاْ كَاْنَتْ اَلْأُضْحِيَةُ أَكْمَلُ فِيْ ذَاْتِهَاْ وَصِفَاْتِهَاْ وَأَحْسَنُ مَنْظَرَاً فَهِيَ أَفْضَلُ، فَاسْتَكْمِلُوْهَاْ - عِبَاْدَ اللهِ - وَاسْتَحْسِنُوْهَاْ وَطِيْبُوْا بِهَاْ نَفْسَاً، وَاعْلَمُوْا أَنَّ مَاْ أَنْفَقْتُمْ مِنْ اَلْمَاْلِ فِيْهَاْ فَإِنَّهُ ذَخْرٌ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ U : } وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مرضاة اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ { .
أَسْأَلُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ عِلْمَاً نَاْفِعَاً ، وَعَمَلَاً خَاْلِصَاً ، وَرِزْقَاً وَاْسِعَاً ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ . اَلْلَّهُمَّ وَفِّقْنَاْ جَمِيْعَاً لِتَعْظِيْمِ شَعَاْئِرِكَ وَاَلْعَمَلَ بَشَرِيْعَتِكَ وَاَلْوَفَاْةَ عَلِيْهَاْ إِنَّكَ جَوَاْدٌ كَرِيْمٌ .
اللَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ الْهُدَىْ ، وَالْتُّقَىْ ، وَالْعَفَاْفَ وَالْغِنَىْ ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَاْ سُعَدَاْءَ ، وَتَوَفَّنَاْ شُهَدَاْءَ ، وَاحْشُرْنَاْ فِيْ زُمْرَةِ الأَتْقِيَاْءِ ، يَاْ رَبَّ الْعَاْلَمِيْنَ . اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا . اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا ، وَخَيْرَ أَعْمَارِنَا آخِرَهَا ، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ أَنْ نَلْقَاكَ ، وَاجْعَلْ آخِرَ كَلاَمِنَا مِنَ الدُّنْيَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله . اللَّهُمَّ ارْحَمْ فِي الدُّنْيَا غُرْبَتَنَا ، وَفِي القُبُورِ وَحْشَتَنَا ، وَيَوْمَ العَرْضِ عَلَيْكَ ذُلَّ وُقُوفِنَا بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ الْرَّاْحِمِيْنَ . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة عن موسم الحج وعشر ذي الحجة تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=130 |