جمعة يوم عيد الأضحى 1433هـ
الحمد لله المطلع على الظواهر والأسرار ، المتفرد بالإيجاد والاختيار ، الملك القهار ، العظيم الجبار ، العزيز الغفار .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، ما تعاقب الليل والنهار ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة ارجوا بها الفوز بالجنة والنجاة من النار
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، المصطفى المختار ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، البررة الأطهار ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U ، بفعل أوامره ، وبالبعد عن ما نهاكم عنه ، فبذلك أمركم سبحانه فقال : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
كما تعلمون ـ رحمكم الله ـ أن هذا اليوم ، هو يوم عيد الأضحى ، خير أيام السنة على الإطلاق ، بل رأى بعض أهل العلم ، أنه أفضل حتى من يوم عرفه ، لقول النبي r في الحديث الصحيح : (( إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ )) .
ومن فضل الله U وتوفيقه ـ أيها الأخوة ـ موافقة هذا اليوم ، ليوم الجمعة ، أفضل يوم طلعت عليه الشمس ، كما قال النبي r في الحديث الذي رواه مسلم : ((خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا )) . وفي الحديث الذي رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى .. ))
فيومكم هذا ـ يا عباد الله ـ يوم عظيم ، وهو آخر أيام العشر ، الذي لا يعادل فضل العمل فيها ، إلا إنفاق المال ، وبذل النفس في سبيل الله تعالى ، كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي r قال : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر )) قال الصحابة رضي الله عنهم : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال r : (( ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )) . وفي رواية عند الطبراني : (( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير )) .
فاقدروا لهذا اليوم قدره ـ يا عباد الله ـ واجعلوه شاهدا لكم في صحائف أعمالكم الصالحة ، تقربوا إلى الله U ، في هذا اليوم ، بذبح الأضاحي ، ففي الحديث الذي أخرجه ابن ماجه والترمذي ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال النبي r : (( مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلاً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ وَإِنَّهُ لَيَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلافِهَا وَأَشْعَارِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
يقول تبارك وتعالى : } وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَات { ، الأيام المعدودات ، هي أيام التشريق الثلاثة التي بعد العيد . فينبغي الإكثار من ذكر الله U في هذه الأيام .
والذكر ـ أحبتي في الله ـ أيضا عبادة عظيمة ، ولكن أكثرنا يغفل عنها ، ولو ندرك فضله وما يترتب عليه ، لما فترت ألستنا منه ، بل يكفي ـ أيها الأخوة ـ أن الله U أمرنا بالإكثار منه فقال } : U فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً { وقال جل جلاله : } اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً { . وأمر الله U لنا ، أن نكثر من ذكره ، لعظيم فوائده ، وحسن نتائجه .
أيها الأخوة :
لأهمية ذكر الله ، كان النبي r يوصي به أصحابه ، ففي الحديث أن رجلاً قال : يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به . قال : (( لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله تعالى )) وشبه r الذي يذكر الله بالحي ، والذي لا يذكر الله بالميت ، ففي صحيح البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه أنه r قال : (( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت )) ومن الذكر ـ أيها الأخوة ـ ما يشرع في هذه الأيام ، وصفته أن تقول يا عبد الله : الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد . وذلك أدبار الصلوات من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق ، أي إلى عصر اليوم الثالث عشر من هذا الشهر . فاحرصوا يا عباد الله على ذكر الله ، واكثروا منه فقد قال جل جلاله : } وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً { .
فأكثروا من ذكر الله U في هذه الأيام ، واحتسبوا الأجر في الأضاحي .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا صالحا ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد أيها المسلمون :
وفي مثل هذا العيد ـ أيها الأخوة ـ ينبغي للمسلم ، أن يحرص على صلة رحمه ، فالعيد أنسب فرصة لصلة الرحم ، وخاصة من بينه وبين أحد من أرحامه قطيعة ، وصلة الرحم واجب من أعظم الواجبات ، وقطيعتها معصية وكبيرة من كبائر الذنوب .
يقول الله } : U وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً { . وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة t قال : قال النبي r : (( إن الله خلق الخلق ، حتى إذا فرغ من خلقه ، قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى يا رب ، قال : فذاك لك . ثم قال رسول r : أقرءوا إن شئتم : } فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ { )) .
فأمر صلة الرحم أمر عظيم ، وللصلة فوائد كثيرة ، ففي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك t قال : قال رسول الله r : (( من سره أن يبسط له في رزقه )) أي : يوسع له في رزقه ، (( وينسأ له في أثره )) أي : يؤخر أجله (( فليصل رحمه )) ، فأين أكثر الناس عن هذا الحديث ، إطالة العمر ، وكثرت الرزق ، مطلب كثير من الناس ، فأين هم عن هذا الحديث العظيم .
منهم من قطع أرحامه خوفاً على دراهمه وما علم المسكين أن بصلتهم زيادة في رزقه ، وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله r قال : (( إن الله ليعمر بالقوم الديار ، ويثمر لهم الأموال ، وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضاً لهم )) ، قيل : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : (( بصلتهم لأرحامهم )) .
فحري بالمسلم ، الذي رضي بالله ربا وبالإسلام دينا ، أن لا يتأخر عن صلة أرحامه ، وأن يحذر حذرا شديدا من القطيعة ، لأن القطيعة شأنها أيضاً عظيم ، وأي شيء أعظم أيها الأخوة من عدم قبول العمل !! القاطع والعياذ بالله ـ يعمل الأعمال ولا تقبل منه نسأل الله العافية .
ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : (( إن أعمال ابن آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم )) . فالله الله أيها الأخوة بصلة الأرحام ومن فضل الله أن تيسرت سبل ذلك فبأقل جهد وبأقل وقت يستطيع الواحد منا أن يصل جميع أرحامه دون مشقة أو كلفة .
أسال الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم صالح أعمالنا ، وأن يتجاوز عن زللنا وإجرامنا ، وأن يغفر لنا ذنوبنا وآثامنا إنه سميع مجيب .
اللهم إن نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وأمتنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار .
اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك ، وأغننا بفضلك عمن سواك . اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن ، ومن العجز والكسل ، ومن الجبن والبخل ، ومن غلبة الدين وقهر الرجال .
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفسٍ لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها . اللهم أنصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأحمي حوزة الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين . اللهم آمنا في أوطاننا واستعمل علينا خيارنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا ارحم الراحمين .
اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريعا سحا غدقا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار ، اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك على بلدك الميت ، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا .
اللهم } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|