تأملات أحوال الحجاج
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه , أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله, ومن تقواه طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون: أدى الحج جمع غفير من المسلمين استجابة لقوله: { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ {27}} الحج.
ولقوله عز وجل: { ًوَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }.
والمشارك للحجيج يرى ويسمع ما يسره من لهج أهل الإسلام بالتلبية وترديد كلمة التوحيد ( لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك , إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ).
فيفرح الموحد بجموع أهل التوحيد, لأن الإعلان بالتوحيد والبراء من الشرك وأهله في مثل هذه المشاعر من مقاصد الحج السامية.
ويسر المؤمن رؤية الموحدين يتصلون بين المشاعر, من عرفة إلى المشعر الحرام, إلى منى إلى البيت العتيق, تجمعهم كلمة التوحيد ويتبعون النبي صلى الله عليه وسلم في هديه, حيث قال :" خذوا عني مناسككم".
ويسر المؤمن تكافل المؤنين وتعاطفهم, فهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" متفق عليه.
ويسر المؤمن رحمة الأقوياء للضعفاء في هذه المناسك, ومساعدتهم وإعانتهم.
ويسر المؤمن ما يقدمه الأغنياء من خيرات عظيمة, فلو حج بلا طعام وشراب ونفقة لوجد أهل الإحسان قد تكفلوا بمؤونته.
ويسر المؤمن ما تقدمه هذه الدولة المباركة؛ دولة التوحيد من جهود عظيمة لتيسير أداء هذا الركن, فلقد كان البيت والحرم قبل هذه الدولة موطناً للنهب والسلب والقتل, ولربما حج الناس وما عادوا كما فعل بهم أبو طاهر لعنه الله؛ عندما أمر بقتل الحجيج ودفنهم في بئر زمزم, وأمر بسبي النساء.
ولن ينسى التاريخ ما فعل بالحجر الأسود, وكذلك ما جرى من أحداث عظام.
فلما مكن الله هذه الدولة المباركة أقامة شعيرة الحج إقامة عظيمة كما أقامت غيرها ولله الحمد, فحصل الأمن والإيمان, والرخاء والاستقرار, ومهما عوت ذئاب أو نبحت كلاب فنور الله تام, وشرعه قائم بإذنه وحوله وقوته.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
الخطبة الثانية تأملات في أحوال الحج
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
فلقد ذكرنا شيئاً مما يسر المؤمن من أحوال حجاج بيت الله.
ولكن هناك حالات نادرة سيئة, فمن ذلك ما يرتكبه بعض الحجاج من أخطاء, سواء كانت في المعتقد؛ كالتمسح بالأحجار والأعمدة, أو بتربة عرفة أو مزدلفة, أو التمسح بكل أجزاء الكعبة وترك السنة وهي استلام الركن, وتقبيل الحجر الأسود إن تمكن من ذلك.
وكذلك جهل بعض الحجاج بأحكام المناسك مما يؤثر على حج الآخرين, أو التدافع الشديد مما يؤدي بأذى الضعفاء وغيرهم, أو حمل الأمتعة عند رمي الحجار, أو الطواف والسعي, فيضر نفسه أو يضر غيره, أو رفع الأصوات عند الدعاء أو استعمال الكتب البدعية المشتملة على دعوات وأذكار مبتدعة, وكذلك افتراش الطرقات واتخاذها سكناً من قبل بعض الحجاج هداهم, ولا شك أن الطريق حق للجميع ولا يحل لأحد أن يتخذه مكاناً, لذا على أهل الإسلام التفقه في عباداتهم قبل الشروع فيها والاستعانة بالوسائل المعينة على ذلك, وطاعة ولاة الأمر فيما يأمرونهم به لأنه من تمام نسكهم.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, ودمر أعدائك أعداء الدين, اللهم أنزل على أهل الإسلام رحمة عامة تهدي بها ضالهم, وتجبر بها مصابهم, وتغني بها فقيرهم , وتردهم إليك رداً جميلاً, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|