تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله, أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله, واعلموا أن الله مع المحسنين, ومع المنفقين, ومع عباده المؤمنين القائمين بأمره, فإذا حلت فيهم النوازل والمحن لجؤوا إليه, فنعم المولى ونعم المصير.
فصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه:" تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة, احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك"
فكم من مكروب فرج الله كربه, وكم من معسرٍ أبدله الله يسراً, وكم ضراء جعلها الله سراء, لأن أهلها كانوا معه في الرخاء, فكان معهم في الشدة.
أيها الناس: اسمعوا إلى هذه الحادثة الفريدة, التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم, تبين عاقبة الصالحين, ومآل المتقين, وفرج رب العالمين لعباده المنيبين, ففي الصحيحين , عن عبد الله بن عمر, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"بينما ثلاثة نفر يتمشون, أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل, فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل, فانطبقت عليهم, فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله, فادعوا الله تعالى بها, لعل الله يفرجها عنكم, فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي, ولى صبية صغار, أرعى عليهم, فإذا أرحت عليهم حلبت, فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بني, وأنه نأى بي ذات يوم الشجر, فلم آت حتى أمسيت, فوجدتهما قد ناما, فحلبت كما كنت أحلب, فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما, وأكره أن أسقى الصبية قبلهما, والصبية يتضاغون عند قدمي, فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر, فإن كنت تعلم أنى فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء, ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء.
وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء, وطلبت إليها نفسها فأبت, حتى آتيها بمائة دينار, فتعبت حتى جمعت مائة دينار, فجئتها بها, فلما وقعت بين رجليها, قالت: يا عبد الله, اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه, فقمت عنها, فإن كنت تعلم أنى فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة, ففرج لهم.
وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق أرز, فلما قضى عمله قال: أعطني حقي, فعرضت عليه فرقه فرغب عنه, فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً, ورعاءها, فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني حقي, قلت: أذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها, فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي, فقلت: إني لا أستهزئ بك, خذ ذلك البقر ورعاءها, فأخذه فذهب به, فإن كنت تعلم أنى فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقى, ففرج الله ما بقى". صحيح مسلم ج4/ص2099.
عباد الله: ما أسرع الفرج, { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ {62}} النمل.
فانظروا رحمكم الله كيف زال الكرب بدعوات قارنها الصدق, وبذكر أعمال صاحبها الإخلاص, وبأعمال جانبها الرياء, كيف فرج الله كرب أهلها, وأخرجهم من باطن الصخر إلى بر الأمان, كما فعل بنبيه يونس _ عليه السلام_ الذي كان من المسبحين في الرخاء, فأنجاه الله في الضراء, فلولا أنه كان من المسبحين , للبث في بطنه إلى يوم يبعثون, أما فرعون فكان من المعرضين في الرخاء, المعادين لله ولرسله, فلما حل به البلاء, قال:{ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91}} يونس.
أيها الناس:
هذه سنة الله في خلقه, فمن عرف ربه في الرخاء, عرفه ربه في الشدة, ومن أعرض, وتذكر حال البلاء فهذا شأن الأشقياء.
أيها المسلمون:
لقد أخذ أقوام على غرةٍ وهم في سلوتهم وسكرتهم, فلما فجاهم البلاء ندموا على ما فعلوا.
قال سبحانه:{ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ {45} أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ {46} أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ {47}} النحل.
فاحذروا مكر الله, فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون, نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
|